نهر المصالحات

TT

تحولت أقدم مدرسة علمانية في اسطنبول إلى مدرسة إسلامية. وفيما يشيخ النظام القديم في تركيا ويتعب، يحقق الحزب الإسلامي الحاكم انفتاحات بعيدة عن التصديق: المصالحة التاريخية مع الأرمن والمصالحة الصعبة مع اليونان وشق الطريق نحو عضوية الوحدة الأوروبية، وعقد نوع من التحالف مع سورية، وتحقيق الانفراج مع أكراد الداخل وأكراد العراق، بالإضافة إلى ما تحقق من تقدم اقتصادي وتطور صناعي.

غيَّر رجب طيب أردوغان ورفاقه في خريطة العلاقات التركية بالليونة والانفتاح، بعكس العلمانيين الذين كان يفترض أنهم يمثلون الدبلوماسية الانفراجية. وأعاد الحزب الإسلامي تركيا إلى العالم العربي بعدما رفضت أو ترددت في ذلك لعقود طويلة. ولم يجد أردوغان ضيرا في أن يضع ربطة العنق وفي أن يكون «مؤذن اسطنبول». فالمطالبة بالعضوية الأوروبية تفترض صورة أخرى، غير صورة المغربي الذي طعن المخرج الهولندي فان غوغ ثم انحنى يستخرج قلبه. لقد عثرت تركيا على مساهمات أكثر جدوى وشرعية، كمثل الانسحاب من اللقاء مع شمعون بيريس، أو مثل إنهاء المناورات الجوية المشتركة مع إسرائيل، أو مثل عدم السماح لجورج بوش باستخدام قاعدة ديار بكر في اعتدائه على العراق.

مرت سبع سنوات الآن على التجربة الإسلامية في تركيا. أو بالأحرى على تجربة أردوغان ـ غول، لأن التجربة الأولى مع نجم الدين أربكان كانت مختلفة وأدت إلى الإخفاق. ولعل أهم ما فعله الثنائي الحاكم أنه لم يرفض كل شيء ولا نقض كل شيء ولا حمل مكبرات الصوت ودار بها على العهود البائدة. لقد استمر الحكام، في حقول كثيرة، في التجربة الاقتصادية التي بدأها تورغوت أوزال، الاقتصادي الذي كان أول من وضع أنقرة على طريق الحداثة الاقتصادية. ولعله أول من بدأ أيضا طريق العودة إلى العرب بإقامة علاقات خاصة مع السعودية.

وقد وقعت المؤسسة العسكرية التركية دائماً وراء ـ أو إلى جانب الحكومات، لكن يذكر لها أيضا أنها مؤسسة ثكنات، وأنها حين كانت تخرج من الثكنة سرعان ما كانت تعود إليها.

المصالحة التركية مع الأرمن تتعدى في جوهرها المصالحة الفرنسية الألمانية بين الجنرال ديغول والمستشار كونراد أديناور. واللقاء مع الحكومة الاشتراكية الجديدة في اليونان يتعدى المصالحة بين بولندا وألمانيا. وهذا لا يعني أنه ليس هناك من معارضين في تركيا واليونان وأرمينيا لكل هذه الانفراجات، لكن التيار الأساسي قد عبر الجسور.