دروس التاريخ

TT

لا أدري ما الذي تمخض عن مؤتمرات الإصلاح العربي التي حضرت شيئا منها في الإسكندرية وأكلت الكثير من خبزها وملحها. ولكن إذا كان هناك شيء يستحق الإصلاح فهو في الدروس التي نلقنها للأولاد في المدارس. وأعتقد أن من أولويات ذلك تدريس التاريخ الأوروبي. نحن نستورد الكثير من المنتجات السياسية والاقتصادية من أوروبا. الديمقراطية، الانتخابات، النقابات، البرلمان، الاشتراكية، الليبرالية، الدستورية، أمثلة من ذلك. الوسائل السياسية ليست كالوسائط الصناعية. فليس من الضروري أن تعرف كيف اخترعوا السيارة لتستعملها، ولكن من الضروري أن تعرف كيف توصل الغربيون إلى فكرة الانتخابات والبرلمانات.

وأنا أعتقد أن من أسباب المطبات التي أوقعنا أنفسنا بها هي أننا لم ندرس حقا هذه المفاهيم. البرلمان البريطاني، أبو، أو أم، البرلمانات كما يسمى، استغرق الوصول إليه نحو ثمانمائة سنة، اعتبارا من يوم الحصول على العهد الأعظم (الماغنا كارتا) في 1253. مر بتجارب وتصحيحات عديدة عبر السنين وما زال الإنجليز يتذمرون من عدم كفاءته ويدعون لإصلاحه. ولم يعطوا حق التصويت للجميع حتى القرن الماضي. هذه مواضيع تتطلب من جمهورنا معرفة كافية بها وبتاريخها، تفاديا للوقوع فيما يسمى بحكم الغوغاء وسيادة الفساد.

القوميون والبعثيون وكثير من الوطنيين العراقيين يهاجمون ويخونون «المعارضة» العراقية على سعيها لجر الأمريكان لغزو العراق. يقولون كيف يجرؤ مواطن على دعوة الأجنبي لغزو بلاده؟ لو أنهم استذكروا تاريخ أوروبا لوجدوا أن الملكيين الفرنسيين مثلا بذلوا كل جهودهم لحمل الدول الأوروبية على غزو بلادهم لإنقاذها من الحكم الثوري.

حتى فكتور هوغو انضم لليبراليين الفرنسيين في بريطانيا ليحثوا الإنجليز على غزو فرنسا وإسقاط نابليون. وفي الحرب العالمية الثانية كرس الليبراليون واليساريون الألمان، وعلى رأسهم برخت، جهودهم لدعم الحلفاء في مهاجمة بلدهم إلى حد التجسس على ألمانيا لصالح الحلفاء. وفي مقابل ذلك، نجح هتلر في تجييش الروس البيض المعادين للشيوعية وتعبئتهم لغزو بلادهم ومحاربة الجيش الأحمر. للموضوع أسبقياته التاريخية.

للتاريخ الأوروبي صداه في حياتنا السياسية ولا بد من فهمه ودراسته. الواقع أنني أعتبر دراسته أكثر أهمية من دراسة التاريخ السياسي العربي. فتاريخنا السياسي في جوانب منه لا يعلمنا سوى أن القتل والغدر أسلوب متبع للتغيير. والتغيير عند بعضنا لا يعني تغيير أحوال البلد وإنما تغيير النظام.

دراسة هذه الحلقات الأليمة من مثل هذا التاريخ السياسي لا تزيدنا إلا تمسكا بالطائفية والفئوية والقبلية والشوفينية. أولى من كل ذلك تثقيف أولادنا بحضارتهم الإسلامية، بفنونها وعمارتها وآدابها وأفكارها.