البطاقة الرابحة في إيران

TT

قد يكون ذلك أمرا غريبا، ولكنني أستطيع أن أقسم في بعض الأحيان بأن إيران تكاد تكون دولتين. فمن جهة، هناك «إيران السلاح النووي»، إيران التي يراقبها الخبراء الأمنيون، والتي تتابعها الهيئات الصحافية في البيت الأبيض، وهي إيران التي كانت في قلب الأحداث خلال الفترة الماضية، عندما أعلن الرئيس أوباما عن وجود مفاعل نووي سري في إيران، وهي إيران التي تواجه المجتمع الدولي.

وفي الوقت نفسه، هناك إيران أخرى، وهي بلد مختلف تماما، فهي «إيران حركة الديمقراطية»، وهي إيران التي يراقبها النشطاء في حقوق الإنسان عن كثب، وهي إيران التي يغطيها ذلك النوع من الصحافيين الذين يلتقطون صور الغلاف بهواتفهم الجوالة. وهذه هي إيران التي كانت صانعة الحدث قبل فترة عندما حول المتظاهرون مسيرة كانت خاضعة لإشراف الحكومة وموجهة ضد إسرائيل إلى مظاهرة مناهضة للحكومة.

والمهتمون بإيران الثانية ليس لديهم اهتمام حقيقي بإيران الأولى، والعكس صحيح، بل ويبدو الفريقان في بعض الأحيان في حالة صراع. فعلى سبيل المثال، عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع الإيرانية في أعقاب انتخابات يوليو (تموز)، طالب كثير من الناس ذوي النيات الطيبة الرئيس الأميركي بأن ينأى بنفسه بعيدا عن الشغب والمشاغبين ـ على الأقل ـ لأن تدخله ربما يؤثر على قدرته على معالجة القضية النووية. وبالفعل، بدا ذلك الخيار ملائما للرئيس أوباما؛ الرجل الذي يتصف إلى حد كبير بالعقلانية، والذي يكره الفوضى، والهياج العاطفي، والجلبة التي لا داعي لها. وفي ذلك الوقت، أعلن البيت الأبيض عن خياره، وهو أنه سوف يتعامل مع إيران التي يرصدها الخبراء الأمنيون، ويترك إيران الأخرى تبحث عن حلول لمشكلاتها، وفيما يتعلق بحقوق الإنسان أو بالديمقراطية في إيران، فتلك قضايا محلية، وفقا لما توصل إليه مستشارو الرئيس، الذين كرروا عرضهم للقاء القادة الإيرانيين.

ولم يسفر ذلك العرض عن شيء لأن إيران ليست دولتين، فالأشخاص المخولون باتخاذ قرار بشأن البرنامج النووي الإيراني هم الأشخاص أنفسهم الذين يصدرون قرارات بالاعتقال، والتعذيب، وقتل المدنيين. وبالفعل يستطيع المرء أن يتوقع الكثير بشأن المسلك الذي سوف يتخذه صناع القرار الإيرانيون في الخارج من خلال الطريقة التي يديرون بها دفة الأحداث في الداخل. فعلى سبيل المثال، من غير المرجح أن يقوم نظام كان يصف علانية خصومه الأميركيين والبريطانيين بالجواسيس بتغيير نبرة خطابه والتعاون مع الأميركيين أو البريطانيين في أي وقت قريب. وفي الوقت نفسه، فإن النظام الذي يخضع لضغط سياسي مكثف والنظام الذي يفقد شرعيته ليس في موقف يسمح له بوضع الأساس لأي أرضية دبلوماسية، وبالتالي فمن غير المرجح أن ينهي برنامجه النووي في أي وقت قريب.

هل بدا ذلك متشائما؟ لا يجب أن يكون كذلك. فيشير كون إيران دولة واحدة كذلك إلى أن الغرب لديه أدوات للسياسة الخارجية في إيران ما زال لم يستخدمها بعد. فقد أوضح الكثير، والكثير، والكثير من الخبراء الأمنيين مرة أخرى خلال الأيام القليلة الماضية أننا ليس لدينا كثير من الخيارات الجيدة طالما أننا أعلنا عن أن إيران تخطط لبناء قنبلة نووية؛ فهناك خيار فرض العقوبات الذي لن يفلح على الأرجح؛ وهناك خيار شن غارات بالقنابل والذي ربما لن يتمكن في الأغلب من القضاء على المنشآت النووية الإيرانية كافة، أخذا في الاعتبار أن كثيرا منها يختفي في الجبال؛ وهناك خيار الحرب الذي ربما يسفر عن كارثة.

وقد أشار عدد قليل من الخبراء الأمنيين إلى وجود خيار آخر. فما الذي يتخوف حقا منه قادة إيران؟ أراهن على أن الإجابة لن تكون المزيد من العقوبات؛ ولن تكون شن الغارات كذلك؛ حيث إن المقاطعة الاقتصادية يمكن في النهاية مراوغتها سواء بمساعدة فنزويلا، أو المافيا الروسية، وربما يساعد الهجوم على الأراضي الإيرانية النظام كذلك على استجماع قوته مرة أخرى. وعلى النقيض من ذلك، فالحملات المستمرة التي تشنها جماعات حقوق الإنسان جيدة التمويل هي منحى مرعب كذلك. فماذا إذن عن إخبار النظام الإيراني أن إصراره على الاستمرار في العمل على الحصول على الأسلحة النووية يتركنا بلا خيار سوى زيادة تمويل مجموعات المتمردين في المنفى، وتهريب المال إلى الدولة، وإغراق الإيرانيين بموجات من البرامج التلفزيونية المناهضة للنظام، وفوق كل ذلك، أن ننشر على الملأ جرائم الجمهورية الإسلامية اللانهائية؟ ماذا إذا ما حمل الرئيس أوباما خلال مؤتمره الصحافي القادم صورة الفتاة الصغيرة «نِدا» التي قتلتها الشرطة الإيرانية الصيف الماضي؟ ماذا إذا فعل ذلك في كل مؤتمر صحافي يعقده؟ أراهن على أن ذلك سوف يثير أعصاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، بل وحتى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أكثر من خسارة بعض صادرات الماكينات الألمانية أو الطماطم الهولندية.

أعتقد أن كثيرين سوف يمطون شفاههم عند سماع تلك الاقتراحات قائلين إن التركيز على انتهاك إيران لحقوق الإنسان سوف يسمح للنظام بأن يتحدث عن «التدخل الأجنبي» وباتهام خصومه بالعملاء، وذلك كان رأي إدارة أوباما خلال الصيف الماضي. ولكن ماذا في ذلك؟ فهم يقومون بذلك بالفعل. وأخذا في الاعتبار احتمالية وجود كارثة كامنة خلف كل خيار سياسي، فلن تضيرنا المحاولة إذن.

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».