حل إسلامي للصراع في أفغانستان

TT

في الوقت الذي يضع فيه الشباب الأفغاني أنفسهم على لائحة الانتظار لكي يكونوا انتحاريين، ستعمل زيادة عدد الجنود سواء أكانوا أميركيين أو من قوات الناتو أو من الأفغان (لأفغنة الحرب) على إطالة الحرب بدلا من إنهائها.

ويفرض عقد العنف والاضطرابات التي شهدتها أفغانستان حلا أكثر عمقا تجاه مشكلة أعمق، وهي أن البلاد بحاجة إلى تفسير للإسلام يقوم على الحرية وحقوق الإنسان بدلا من العنف والاضطهاد القبلي. وكل شيء عدا ذلك فهو من قبيل الهبات الخيرية. ومن ثم فإن التفسيرات الإسلامية المثيرة لكراهية النساء والداعمة لطغيان جماعة بعينها بحاجة إلى مواجهتها بتفسيرات بديلة عن الإسلام. والمناقشات التي تدور الآن بأن أفغانستان غير مستعدة في الوقت الحالي للديمقراطية، ولم تفلح سوى في السياسات الديكتاتورية يجانب هذا الحل كلية، ويجعل أفغانستان في حالة حرب دائمة.

يعد المجتمع الأفغاني مجتمعا متدينا بدرجة كبيرة لكن التفسير السائد للإسلام، كما في غالبية الدول هو ذلك الذي يعزز العنف، خاصة في ظل قانون الشريعة الحالي الذي ينفصل بصورة كاملة عن رسالة القرآن، وأن البشر مسخرون لخدمة الدين وليس العكس. ونظرا لأن هذا الاعتقاد متأصل في نفوس الأفراد، فإن الصراع من أجل الهيمنة الاجتماعية والسياسية يعبر عن نفسه من خلال المسار الديني.

وقد بات الدين صراعا بشأن القوة، ومن ثم تأتي تلك الصورة البغيضة من العنف والتفجيرات الانتحارية كنتيجة مباشرة لتلك التفسيرات التي تحض على العنف.

وما لم يتغير كل ذلك فسيستمر الدين في أفغانستان في خدمة القوى الأصولية وأولئك الذين غذتهم سياسات الخوف.

والبديل لذلك إحياء التعاليم الإسلامية المكبوتة من الفكر والممارسات الإسلامية مثل مفهوم «التوحيد»، تلك النظرة العالمية التي ترى العالم على أنه كيان واحد، وأنه لا انفصال بين كل ما في الكون، فالوجود كله كائن حي وعضو مفكر يمتلك الإرادة والذكاء والإحساس والهدف. ذلك الوجود التام دمره الصراع والانفصال عن الآخرين.

وفي هذا المنظور فإن ممارسة الإذعان للقوة يعتبر غير إسلامي وليس لب الدين. وفي المقابل فإن توسعة دائرة الحرية والتنمية يفهم على أنه الطريق إلى الجنة. ومن هذا المنظور خلق البشر بمواهب وحقوق ومسؤوليات وحق تقرير مصير. ولذا يجب إزالة كل أنواع الرقابة داخل «النفس والمجتمع» لأنها عقبات على طريق الفهم. وهو ما يعني أنه ما من فرد أو جماعة قادرة على السيطرة بصورة شرعية على أخرى. وأن تحدي كل أشكال السيطرة في داخل الفرد والآخرين مسؤولية أخلاقية. ولهذا فالإسلام دين الحرية.

ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك من الناحية العملية؟ يعني أن مهمة النهوض بالإسلام في أفغانستان يجب أن تبدأ بالتركيز على محنة النساء.

ففي الوقت الحالي، يغيب نصف الشعب الأفغاني عن المشاركة العامة، فالنساء محتجبات من الرأس وحتى أخمص القدم وموصومات بأنهن أدنى من الرجال ويعاملن على أنهن بضاعة جنسية يحتفظ بها في المنزل. وما من شك، في أن تغيير هذا الوضع القائم بالنظر إلى مجتمع كهذا يسيطر عليه رجال الدين والسلاح، يعد تحديا أشبه بالمستحيل. لكن جسامة هذه المهمة يجب ألا تثني الأفغان عن توليها، إذ يستحيل تخيل أفغانستان ديمقراطية ومتطورة إذا لم يتم التعامل مع قضية المرأة. والأمر يتطلب جهد مواجهة سياسية وفكرية وروحية لتحرير المسلمين والمجتمعات الإسلامية من إدمان القوة. ولا يمكن إنجاح الأمر سوى بالعودة إلى الإسلام القائم على الحرية عوضا عن النماذج الغربية التي تبدو منفرة للكثير من الأفغان.

ويمكن القول إن عدم وجود قوات أجنبية أو المزيد من الانتحاريين يمكن أن يسهم في هذا التحول الجوهري. وإذا ما كانت هناك أي فرصة لظهور السلام والاستقرار في أفغانستان عبر النهضة الإسلامية يجب أن تعمل القوى العالمية والإقليمية المحيطة بها من خلال «توازن سلبي»لا تقوم فيه أي دولة بالتدخل في الشأن الأفغاني.

ويجب على الشعب الأفغاني أن يعلم أن جمع المجموعات العرقية المختلفة ذات المصالح السياسية والاقتصادية المتنافسة يمكن أن يستمر كعلاقة آمنة عندما تصبح الدولة اتحادا يقوم على حقوق رئيسة: وهي حق وجود اللغات والثقافات والديانات. وحق الأمن في ظل غياب هيمنة إحدى المجموعات العرقية.

النقطة الأهم هي أن تأتي تلك النهضة الإسلامية من الشباب الذين يشكلون 70% من تعداد السكان. مثل تلك النهضة لا تختلف مع الثقافة الأفغانية؛ فالفلسفة التي تؤمن بكل من العقلانية والغموض جزء من التراث الأفغاني أكثر من ثقافة التفجيرات الانتحارية.

يمكن أن يلعب التعامل مع هذا التفسير الإسلامي ـ عبر الحرية النسبية للإعلام في أفغانستان ـ دورا رئيسا في نشر صورة ديمقراطية وإنسانية للإسلام يمكن أن تمهد الطريق لأفغانستان مستقلة وديمقراطية لا تشكل تهديدا لأحد خاصة بالنسبة لشعبها.

*أول رئيس للجمهورية الإسلامية بعد ثورة عام 1979.. وعاش في المنفى في فرنسا منذ عام 1981 عندما دخل في نزاع مع حليفة السابق الخميني.. وفي منفاه واصل طرح رأيه عن الإسلام «كمسار للحرية»

* خدمة «غلوبال فيو بوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»