المصالحة.. بالعافية

TT

لم يكن الأمر يحتاج تأجيل تقرير غولدستون حول حرب غزة.. لتأجيل اتفاق المصالحة بين السلطة الفلسطينية وفتح من جانب وحركة حماس من جانب آخر، فقد كان واضحا منذ فترة أن الجانبين أشبه بشخصين كل منهما يقدم رجلا ويؤخر أخرى في محاولة لتفادي الوصول إلى نقطة توقيع مصالحة، فكما يقال بالعامية الحب ليس بالعافية.. والجانبان ليس بينهما ود منذ أن استولت حماس على غزة وطردت رجال السلطة وفتح من هناك.

وهو بالمناسبة سيناريو تكرر عدة مرات، فكلما حدث نوع من الانفراج في المفاوضات التي تتولاها مصر بين الطرفين يقود إلى الاقتراب من اتفاق، تجد الأطراف مبررات لتباعد نفسها عن هذا الاتفاق وتظهر حجج وتبريرات للتأجيل مثل قضية المعتقلين سابقا، لتعود الجهود من جديد.. ومن تأجيل إلى تأجيل.

وتبدو ملابسات ضجة تقرير غولدستون حول جرائم الحرب في غزة بكل تداعياتها على الصعيد الفلسطيني مثيرة للكثير من التساؤلات، وحسنا فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل لجنة تحقيق في عملية التأجيل لتحديد المسؤوليات، وإذا كانت هناك أخطاء من جانب السلطة الفلسطينية ستحاسب نفسها عليها، فإن حماس يجب أن تحاسب نفسها أيضا على أن رد فعلها الأولي على تقرير غولدستون كان الهجوم عليه، إلا لو كانت المسألة شماعة، وهذا هو الأرجح.

وقد بدا من خطابي محمود عباس وخالد مشعل حجم الهوة والفجوة بين السلطة وفتح وحركة حماس، فالطرفان استخدما لغة قاسية تجاه بعضهما، واتهم الرئيس الفلسطيني الحركة بالتهرب من استحقاقات المصالحة.. ومشعل يريد إعادة بناء منظمة التحرير وقيادة أفضل من هذه لفتح، وأكد أنه لا مصالحة دون ترتيب للبيت وآلية اتخاذ القرار السياسي.

ولا توحي المؤشرات في ضوء مثل هذه اللغة المستخدمة بين قيادات فتح والسلطة وحماس وحملة تبادل الاتهامات بإمكانية وصول الوسيط المصري إلى نتيجة كما كان يرغب في الشهر الحالي ولو بتوقيعات من الفصائل بدون مظاهر احتفالية.. فالطرفان كما يبدو لا يرغبان السير في احتفال، ولكن في جنازة.

والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل هناك فعليا إمكانية لمصالحة حقيقية، وهل هناك مصلحة للطرفين ككيانين سياسيين للعمل سويا؟ وهل هما جادان في التجاوب مع الوساطة المصرية أم أنها مجرد تظاهر لعدم قول لا صريحة، وأيضا كسب وقت وشرعية؟

الشواهد والمعطيات تدل على صعوبة هذه المصالحة في ضوء تكلفتها السياسية، خاصة بالنسبة إلى حركة حماس، التي رفضت منذ بداية الوساطة المصرية لردم الفجوة قبل أكثر من عامين الكثير من الاقتراحات لتسهيل فتح معبر رفح، ولو بوجود شبه شكلي للسلطة الفلسطينية عليه، مفضلة السلطة المطلقة بأنفاق تحت الأرض تهرب منها الدراجات النارية للناس الذي يعانون من كل شيء في القطاع.. ثم تصدر لهم قرارات من نوع منع النساء من ركوب الدراجات النارية خلف أزواجهن، وكأن هناك شيئا آخر متاحا.

فالسلطة الفلسطينية، باعتبارها الطرف الذي أجبر على الخروج من غزة، أي عودة لها هناك باتفاق هو مكسب حتى لو عادت بنفوذ أقل من السابق، أما حماس فقد كان واضحا في أكثر من تجربة أنها لن تتنازل عن غزة طوعا تحت أي ظرف، فقد رفضت سابقا تسهيل حياة الناس بوجود شكلي للسلطة على معبر رفح، مفضلة حياة الأنفاق وفرض الضرائب على البضائع التي تهرب منها مثل الدراجات النارية.. لتصدر قرارات بعد ذلك تمنع النساء من ركوبهن خلف أزواجهن.. فالهدف هو السلطة في غزة ورام الله معا.