أبو العبد.. وأبو الميش!

TT

عندما تسير في «بعض» شوارع بيروت ستبهرك نظافة الشوارع وروعة المحلات التجارية وجمال المعالم المعمارية وستعجبك المطاعم العامرة، ولكنك ستذهل لو ذهبت قليلا ذات اليمين أو ذات اليسار وتسكعت لهالك ما سوف تراه من قذارة وسوء منظر على بعد أمتار قليلة من الانبهار نفسه. ولكنها لبنان بلد التناقض بامتياز! لم تكد تمضي أيام قليلة على انقضاء أحد أكثر اللقاءات العربية البينية نجاحا وإيجابية، والمقصود هو لقاء العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق إلا وعاد أحد رموز القلق والتوتر في لبنان يجعجع بصوته المزعج ورسالته الأكثر إزعاجا. العماد ميشال عون عاد ليقول «حكما» هي أشبه بالهلوسة السياسية. فبعد أن كان يتهم الساسة اللبنانيين أنهم أسرى القوى الخارجية «يبدع» اليوم قولا جديدا فيصرح بأن «الأزمة ليست خارجية بل من صنع القيمين على النظام نفسه»، ويزيد القول فيعلن أن «المستفيدين من مزاريب الفساد قد يظنون أن لهم مصلحة في استمراره، ناسين أنهم مثل القط الذي يلحس المبرد بلسانه فيستمتع بطعم دمه النازف». ولم يكتف بهذا القدر من الجواهر والدرر الفلسفية، ولكنه واصل ليقول إن «المساءلة في لبنان غير صالحة لأن النهج المافيوي يسيطر عليها وهي تخرج بتصرفاتها على المعايير الأخلاقية والقانونية».

همٌ مضحك وهمٌ مبكٍ! كل هذه الأقاويل لا تأتي على لسان فيلسوف أو نبي أو ولي من أولياء الله الصالحين، ولكن على لسان عسكري ساهم في تأجيج نار الفتنة في بلاده وخاض حربا مجنونة ضد أبناء طائفته، وفظع فيهم وفي رئيس الكنيسة نفسه، وبعدها هرب إلى السفارة الفرنسية ومنها إلى المنفى في فرنسا ويشن من هناك «حربه» على لبنان ومن فيها من الساسة ليعود شخصا آخرا منقلبا على كل مواقفه السياسية السابقة، مغيرا إياها أكثر مما غير الأطقم والبدلات الباريسية، ولم يكتف بذلك بل كان هو شخصيا المعطل الأبرز لتشكيل حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري، نظرا لإصراره على تعيين صهره (جبران باسيل في منصب وزير الاتصالات) هل لأنها الوزارة الأهم؟ مع العلم أن ناخبي الدائرة التي ترشح فيها جبران باسيل رفضوه، وبالتالي لم يفز بالانتخابات، ومع ذلك يأبى الديمقراطي الكبير ميشال عون قبول رأي الناس واحترامه ويصر على تلبية وإرضاء تعيين صهره على حساب البلاد. هكذا تصريحات في هكذا أوقات لا يمكن أخذها بلا الكثير من الشك في نواياها ومآربها فهي تكرس شروخ الفرقة وتؤجج صراعات الفرقة وتزيد نار الفتنة. وقد يكون هذا هو المطلوب، وبالتالي يؤدي العماد عون دوره المطلوب منه ببراعة وامتياز لافت.

أتمنى من قلبي أن يكون لديه الحد الأدنى من درجات الوعي والذكاء وأن لا يكون «مصدق حاله» أو «قابضها جد» ومقتنعا بأنه زعيم تاريخي وسياسي لطائفته أو للبنان، لأن ذلك سيكون لعمري نكتا وطرائف أقوى وأهم من نكات البيروتي «المعتز» أبو العبد! تهاني القلبية لأبو «الميش» على آخر إنجازاته في قاموس الفكاهة اللبناني ومسكين لبنان شو عملوا فيك!

[email protected]