هل يستحق الجائزة؟

TT

ميدالية نوبل للسلام سبق أن منحت لمن لم يكن يستحقها، وحجبت عن من استحقها، فالمهاتما غاندي من أعظم رجالات السلام في التاريخ وأكثر شخص في العالم يستحقها، مع هذا لم تعط له. وبالتالي لكل زمان رجال وميداليات، إنما بقدر ما أن المانحين اخفقوا مرات وجاملوا مرات إلا أن نوبل للسلام تعني الكثير، ومن الطبيعي أن يثور جدل حولها عندما تمنح أو تحجب، كما حدث هذه المرة بتقليدها للرئيس باراك اوباما، الذي هو نفسه فوجئ باختياره.

في نظري أن هناك بضع شخصيات في العالم تستحق نوبل للسلام لما فعلوه، أو حاولوا فعله، من اجل وقف الحروب أو تحقيق السلم الدولي أو الإقليمي، وواباما واحد منهم. فالرجل سن لرئاسته منذ اليوم الأول مشروعا تصالحيا بين الغرب والعرب، وبين الولايات المتحدة والمسلمين في أنحاء العالم. قام بحملة علاقات عامة كبيرة عبر شاشات التلفزيون والجامعات والمؤسسات السياسية، دار على المنطقة يروج لفكرة التعايش والسلم بين الطرفين الغربي والإسلامي. ونستطيع أن نزعم انه حقق شيئا جيدا لم يسبق له مثيل، فقد أفلحت حملته في تخفيف الاحتقان الشعبي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي بشكل عام.

نوبل ليست بالضرورة تمنح لأن حربا أوقفت أو علاقات دبلوماسية جديدة أسست، فهذه قد تكون نتيجة حصيلة نشاطات فرضت نفسها على الأرض. وعندما اختار اوباما تهدئة الخلاف مع كوبا وتخفيف الضغط على هذه الدولة التي ظلت في حال نزاع مع الولايات المتحدة منذ أكثر من نصف قرن، فذلك يمثل فعلا عملا سياسيا مميزا. وكذلك عندما اختار اوباما إلغاء مشروع برنامج الدفاع الصاروخي الذي تعتبره روسيا موجها ضدها يكون بذلك قد أوقف تاريخا من التصعيد المحتمل وربما العودة إلى الحرب الباردة.

اوباما قد لا يسحب جنديا أميركيا من العراق، وقد يضطر إلى مضاعفة قواته في أفغانستان، وربما يدخل في مواجهة عسكرية مع إيران ومع هذا يظل رجل سلام لأنها قرارات اضطرارية تفرض نفسها على الرئيس الجالس في البيت الأبيض. ولا يعقل أبدا أن نتوقع من أي رئيس أميركي أن يرسل وردا إلى تنظيم القاعدة الذي يملك مشروعا رئيسيا لمحاربة بلاده.

اوباما ميز نفسه في مجال مهم للغاية وهو سعيه لنشر فكرة التصالح الدولي، رسالة حققت له، ولبلاده، شعبية كبيرة في أوروبا التي صار كل مرشح في الانتخابات يتحاشى أن يربط اسمه بواشنطن بسبب الكراهية المتنامية. ورسالته نجحت في روسيا التي بدأت تتحول أكثر فأكثر نحو الشعور القومي المعادي للآخرين. كما أن كل الاستطلاعات التي أجريت بعد خطاب اوباما التاريخي في القاهرة هذا العام أظهرت أن العرب والمسلمين ينظرون بتقدير استثنائي للرئيس رغم انه ميدانيا لم يقدم لهم شيئا جديدا. حتى أن الجماعات المتطرفة في المنطقة اضطرت إلى تخفيف لهجتها العدائية بعد أن اكتشفت أن العرب يثقون فيه حتى الآن. لهذا ما أحدثه الرئيس اوباما من شعور بالتفاؤل وتخفيض درجة الاحتقان والكراهية في العالم يستحق التقدير ويستحق جائزة السلام.

[email protected]