يجب ألا يقع المغرب في الفخ

TT

يتقاسم المغرب والجزائر رتبة متميزة في قائمة الأقطار التي تشهد أكبر نسبة من حوادث السير في العالم. وهذا ليس بسبب الازدهار وكثافة حركة السير في الطرقات، بل لرعونة جاهلية تركب السائقين، وبسبب الحالة الرديئة للطرق. ولا يقل عدد القتلى في الطرق بسبب حركة السير بكل من المغرب والجزائر عن أربعة آلاف قتيل في السنة. وكان قصب السبق في هذا المضمار للمغرب طيلة سنين، والتحقت به الجزائر أخيرا وتفوقت عليه، وكأن هناك سباقا.

وفي عدد من المجالات يحتل البلدان ترتيبا متقاربا. فمن جهة عدد العاطلين عن العمل، تقدر نسبة هؤلاء في الجزائر بما لا يقل عن 12%، وفي المغرب ليس الرقم ببعيد، فإن عدد العاطلين حسب تقديرات سنة 2008 لا يقل عن 10%. ومن حيث نسبة السكان الذين يوجدون تحت عتبة الفقر يقدر العدد في الجزائر بـ 23% وفي المغرب بما لا يقل عن 15%.

وأما أشنع المؤشرات فهي المتعلقة بالتسابق في مجال التسلح. وقد ظهر ذلك بوضوح منذ عقد من الزمان. وحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن المغرب انتقل من نسبة 4,1% في سنة 1988، إلى 3,6% في سنة 1998، إلى 3,2% حسب تقديرات سنة 2007 التي عند معهد ستوكهولم.

أما الجزائر فقد انتقلت من 1,5% في سنة 1988، إلى 4%، إلى 3% في سنة 2007. أي إن مخصصات الدفاع في البلدين قد تضاعفت مرتين في ظرف عشرين سنة.

ولفهم مغزى هذه الأرقام، يجب أن ندخل في الاعتبار حجم الدخل القومي لكل من البلدين، وتطور الانشغالات الدفاعية عن كل منهما من سنة إلى أخرى، لندرك ماذا يعني واحد وأربعة في المائة.

وتقول بيانات المعهد السويدي إن الجزائر تمثل في الوقت الراهن ثالث بلد عربي من حيث السعي إلى التسلح، وإن المغرب هو الخامس. وبالأرقام المطلقة، انتقلت مخصصات التسلح في الجزائر من 548 مليون دولار في 1988 إلى 4,1567 مليار دولار في 2007. وجاء في أرقام معهد ستوكهولم أن الجزائر خصصت في سنة 2009 ما لا يقل عن 6.25 مليار دولار للتسلح، بزيادة 10% عن السنة الماضية.

وهذا التوجه يحدث انشغالا كبيرا في المغرب وفي المنطقة ولدى أهم شركاء البلدين السياسيين والاقتصاديين، الأقربين والأبعدين.

وقد سبق لي أن تناولت هنا منذ نحو سبع سنوات، موضوع التسلح في كل من الجزائر والمغرب، وذكرت بأن ميزانية الدفاع في الجزائر كانت دائما مهمة، بينما في المغرب لم تصبح تلك الميزانية ذات أهمية ملحوظة إلا بعد حوالي سنتين من تحرير الصحراء. وكان الحسن الثاني رحمه الله يراهن على الوسائل السلمية للضغط على إسبانيا. ولم يضع في الحساب أن الأوضاع ستسفر عن تعقيدات مثل التي حصلت في الحدود الشرقية.

وكان يراهن على أن الحرب مع الجزائر لن تقع أبدا. وحاول كل جهده من أجل ألا تقع. وكمحاولة لتفادي الأضرار، كان المغرب قد اقترح إيقاف سباق التسلح بين البلدين. ففي 28 فبراير 1967، كان قد وجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، السيد يو ثانت في ذلك الوقت، رسالة يقترح فيها تكوين لجنة مشتركة تكون لها مهمتان:

ـ توصية المغرب والجزائر بالتخلي عن أي سباق في التسلح، بعدم العمل على تنمية قواتهما العسكرية.

ـ المراقبة في عين المكان، بالطرق الملائمة، للأسلحة التي توجد لكل من الطرفين من حيث الكم والنوع، وتقدير مستوى الحاجات الضرورية لكل من الطرفين لتأمين الحفاظ على الأمن.

وأبلغ الأمم المتحدة استعداده للخضوع إلى مراقبة برامجه في التسلح. واليوم حينما تتواتر الأخبار عن إقبال الجزائر على التسلح من مختلف المصادر، وفي عدة مجالات، يظهر جليا أنها عازمة على أن تصبح القوة العسكرية الأولى في المنطقة. وقد ظهر كتاب في فرنسا عن سعي الجزائر لامتلاك القنبلة النووية. ويذكر برونو تيرتيري صاحب كتاب «السوق السوداء للقنبلة النووية» الصادر في باريس في أواخر سبتمبر الماضي أن الجزائر تمتلك في «عين وسارا» منذ عشر سنوات منشأة نووية سرية خارج مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ولا يمر أسبوع دون أن تنشر بشكل بارز في المغرب أخبار عن كثافة وغزارة مساعي الجزائر لتعزيز قدرتها العسكرية. بل إن جريدة مغربية خصصت صفحة كاملة مليئة بالمعلومات عن حوادث متواترة عند الحدود تتميز بإطلاق النار بسهولة من لدن حراس الحدود الجزائريين على عابرين مغاربة لتلك الحدود. وفي بعض الحالات وقع سطو على ماشية قبيلة حدودية مغربية، وقالت الجريدة إن ذلك قد أثار احتجاجا في الجانب الجزائري لدى أبناء عمومة أصحاب تلك القطعان من الماشية.

وهذه الحوادث تتكرر منذ سنوات. ويمكن أن تعزى إلى صرامة أكثر من المعتاد، تميز حراس الحدود الجزائريين لمحاربة المهربين، في حين لم يسجل أن تم إطلاق النار من حراس الحدود المغاربة على عابري الحدود في نطاق «التهريب الصغير». وهذه ظاهرة معتادة في جميع نقط الحدود، ومنها حدود سبتة ومليلية التي هي رغم الواقع الاستعماري حدود مفتوحة، ويقع التعاون بشأن بين جانبي الحدود حينما تتطلب الأوضاع وقوع تفاهم.

لكن ما يثير الانتباه في حالة الجزائر هو الاتجاه إلى التسلح الثقيل، وتخصيص مبالغ كبيرة لذلك. علما بأن الأجواء مثقلة بعناصر توتر تهدد بأن تؤدي إلى انزلاقات خطيرة. وهو أمر يسلك حياله المغرب سياسة معلنة، تم التعبير عنها على لسان العاهل المغربي في خطاب ذكرى المسيرة في السنة الماضية، حينما ناشد الجزائر أن تقبل فتح الحدود بين البلدين.

وتقابل الجزائر تلك المناشدة بالصدود. بل إنه في كل مرة يتم التلويح بحجج تعجيزية لتبرير عدم فتح الحدود، أبسطها أن المغرب يجب أن يقبل إنشاء جمهورية مستقلة في أرض الصحراء التي انتزعها من إسبانيا في 1975.

إن استمرار رفض فتح الحدود، واستمرار برامج التسلح، يفيد أن الحالة الراهنة للعلاقات المغربية الجزائرية مرشحة للتأبيد. وقد سبق للسيد ولد الخادم والسيد ديلسي وغيرهما من المسؤولين الجزائريين أن وصفوا العلاقات المغربية الجزائرية بأنها في حالة طبيعية.

ويمكن أن نتصور أن الجزائر ستستمر في التسلح بكثافة لإنجاز برنامج طموح يشغل قادتها الحاليين. ويعتمد حكام الجزائر على دخل سنوي يقدر بـ232.9 مليار دولار، بينما لا يزيد دخل المغرب على 136.6 مليار دولار. وفي تصورهم أنه يمكن إرهاق المغرب بجره إلى الدخول في مسلسل التسلح.

ولكن على المغرب أن يحسن ـ كما يفعل ـ استخدام مداخيله فيما ينفع. وخاصة بالتسلح النوعي المختار بعناية. ويجب ألا يقوده التسلح الكثيف للجزائر إلى الرد عليه بالمثل. بل يجب ألا يغير سياسته التنموية، التي تتلخص في التنمية البشرية والتأهل لخوض التنافسية الاقتصادية. وليس من مستلزمات التنمية المستدامة شراء فرقاطات وخردوات مماثلة تبقى في المستودعات إلى أن تصبح غير صالحة للاستعمال. ولهذا يجب ألا يقع المغرب في فخ مواجهة التسلح بالتسلح.

وكما في حوادث السير، تكون النجاة في حكمة السائق الذي يعرف كيف يتجنب عثرات المسالك.