عصا موسى الساحرة

TT

أصبحت الكتابة عن قصص التوراة والأماكن التوراتية، وهي الأماكن التي ذكرت في التوراة، تمثل سوقا رائجا في العالم كله، فبمجرد ظهور كتاب يحمل غلافه اسم «التوراة» وبأي لغة أجنبية يحصل على دعاية واسعة ويحقق أحسن المبيعات من دون النظر إلى المحتوى.

ليس هذا فقط، بل أصبح هناك ما يعرف بـ«Biblical Archaeology» أي علم الآثار التوراتي، وأصبح هناك علماء متخصصون في تحقيق ما جاء في التوراة وما تكشف عنه الآثار.

والأمر عند هذا الحد جد خطير، إذ لم ننتبه إليه، فالعلم لا يجوز ربطه بالدين والكتب السماوية، وذلك لأن العلم له طبيعة التغير، بمعنى أن ما هو معروف اليوم قد تأتي نتائج في المستقبل تغيره، والنظرية العلمية قابلة للتغيير وللتطور، ومن هنا تأتي خطورة ربط العلم بالدين، فلا يجوز الحديث عن إعجاز الكتب السماوية لأن هناك من العلوم ما أكد إعجازها. فماذا يكون الحال عندما تتغير النظريات العلمية ويكتشف العلماء أمورا جديدة قد يظنها الناس تخالف ما جاء في الكتب السماوية؟

إنني أطرح هذا الحديث بمناسبة ظهور العديد من الكتب التي تتناول أحداث القصص القرآني والتوراتي من دون فهم لحقيقة الأمور، وقد كان آخر ما قرأت من كتب هؤلاء.. القول الذي يذهب إلى أن «فرعون» هو اسم الملك الذي اضطهد موسى وقومه وطاردهم أثناء الخروج، وليس فرعون بلقب وإنما اسم. وبالطبع هذا رأي خاطئ ولا مجال حتى لمناقشته، لأن قائله ضرب بكل الأسس والقوانين والعلوم عرض الحائط فقط من أجل أن يحقق لنفسه ولما كتب شهرة زائفة.!

وكتاب آخر كتبه عالم أمريكي مسيحي اعتمد فيه على ما ورد في التوراة وقصة الخروج، ويشير إلى أن رد فعل الفرعون حينما جاءت العاصفة وانشق البحر هو أن اعترف وقومه بأنهم كانوا على خطأ وبدأ يتودد لموسى لكي يشفع له عند ربه كي ينهي العاصفة (سفر الخروج 9: 27 – 29).

ويشير الكاتب كذلك إلى وجود بعض تبريرات حول اللعنة التاسعة وهي «إظلام الشمس»، وكانت الشمس هي «رع» رب الشمس عند الفراعنة، ويشير عالم آخر إلى وجود تعريف في سفر الخروج (10:10) للعنة التاسعة وهي «إظلام الشمس» بالكلمة العبرية «راعا» أي «الشر»، وهي توازي رب الشمس «رع» عند المصريين.

والكتاب ممتع في بعض جوانبه، حيث يلفت النظر إلى أن معجزة العاصفة وانشقاق البحر وما ذكرته التوراة عن إظلام الشمس جاءت لتتحدى الفرعون ومكانته، حيث إن الفكر المصري القديم قد وضع الملك في مكانة رفيعة جعلته المتحكم في الظواهر الطبيعية بقدرة الإله الخالق التي منحه إياها.

وقد كان على الملك حسب هذا المذهب أن يقيم الـ«ماعت»، أي النظام الكوني الصحيح ويحافظ على ثباته، ومعنى أن تأتي ظواهر طبيعية على عكس قدرة الملك ولا يستطيع وهو بين جنوده التحكم فيها وإصلاحها، بل وينادي موسى لينقذه مما هو فيه.. هو تحد عظيم لمكانته والدور الذي وهبته إياه الحضارة المصرية القديمة. وبذلك يكون موسى وهارون والذين معهما قد انتصروا في هذا الصراع الكوني وأثبتوا أن إلههم هو المسيطر الحقيقي على قوى الطبيعة.

فكانت لعنات الرب تحد لقدرة الفرعون ودوره في إصلاح نظام الكون، وقد كانت العصا، وهي عصا الراعي المعقوفة، هي أداة محورية في الصراع بين موسى وفرعون، استخدمها موسى لينتصر على كهنة فرعون واستخدمها لكي ينشق البحر، والعصا المعقوفة في اللغة المصرية القديمة تسمى «حقا» بمعنى «الحكم والحاكم»... ولله في خلقه شئون..