منذ روما

TT

يفاخر اللبنانيون بلوحة نقشت فوق صخرة «نهر الكلب» على مدخل بيروت الشمالي وتحمل أسماء القوى التي تناوبت على حكم لبنان ثم خرجت منه: رومانيون، فينيقيون، صليبيون، مماليك، عثمانيون، فرنسيون، بريطانيون والفرقة الأسترالية التي «حررت» بيروت من احتلال حكومة «فيشي» الفرنسية الخاضعة للألمان.

لكن لوحة الاعتزاز هذه تؤكد أن لبنان بائس عبر التاريخ، وأنه لا يزال عاجزا، منذ روما إلى اليوم، عن تشكيل حكومة وطنية تؤكد أنه مستقل حقا منذ 1943، عندما خرج الفرنسيون من النافذة ليدخل النفوذ البريطاني والأميركي، ثم يتوالى النفوذ العربي، السياسي والعسكري، أولا المصري فالفلسطيني فالسوري، والآن النفوذ الإيراني. ناهيك طبعا عن موجات الاحتلال الإسرائيلي واتفاق 17 أيار، أو المستوطنة الكبرى التي حاولت إسرائيل زرعها في بيروت.

لا أعتقد أن بلدا آخر في العالم يعني تشكيل حكومته دول الأرض مثل لبنان. ولا من بلد تقف على حدوده جيوش دولية مثل لبنان: من فيجي إلى آيرلندا. ولا من بلد شغل مجلس الأمن والجمعية العامة بقدر ما شغلناهما. وهذا كله لا يفرح ولا يسر. فليتنا كنا بلدا لا يستحق تشكيل حكومته خبرا في سجل تشريفات الدول، حيث تبعث ببرقيات التهنئة بإشارة من آمر البريد.

لكنه قدر قديم يلاحقنا ويلاحق الشعوب التي صار لبنان بلدا لها، من أرمن وأكراد وفلسطينيين حظهم في اللجوء مثل حظهم في الخروج: مخيمات تعيسة وبؤس لا يوصف.

تفاوض اللبنانيون على حقائب الحكومة العتيدة كمن يتفاوض على صفقة برتقال مصاب بالاهتراء: هل تشتري السلة مع ما هو مصاب فيها بالاهتراء أم تأخذها منتقاة. وما هو الثمن في هذه الحال وفي تلك الحال أو في أسوأ الأحوال أو في كل الأحوال.

بازار وقح ملفوف بسيلوفان وطني وعليه رشة شعارات مستعارة من متاحف الكذب ومغاور التكاذب. وكلام عن وحدة وطنية فيما البلد في أسوأ حالاته الفصامية الانقسامية التي تعيشها الذاكرة.