هكذا يجب ألا تكون البيوت!

TT

أقبح عمارة في مصر موجودة في ميدان التحرير بالقاهرة. وهي التي نسميها «المجمع» أي الذي يجمع عددا كبيرا من المصالح الحكومية. وهذه العمارة على الطراز الروسي. هل فكر فيها روسي؟ هل مهندس مصري أراد أن ينافق الروس؟ أسعدني خبر نشرته إحدى الصحف بأن هناك اتجاها لهدم هذا المبنى. والمبنى يتردد عليه الألوف يوميا. يتزاحمون على السلالم وأمامها ومن أجلها..

وكل العمارات السكنية التي أقيمت من أجل سكن محدودي الدخل، شقق متلاصقة صغيرة وبالمئات. وكل من يسكن شقة يقيم حاجزا بينه وبين جاره حتى لا يعرفه، أو حتى لا يعرف هو شيئا من أسرار الجار. فالجار لا يرفع صوته حتى لا يسمعه الجار، فهو يخشى من الفضيحة، أو يخشى من أن يتطاول عليه.

وإذا التقى سكان مثل هذه العمارات فإنهم لا يكلمون بعضهم بعضا، لأنهم حريصون من أول لحظة على أن يكون كل واحد في حاله والمثل يقول: «يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي»..

فهذه العمارات السكنية التي تشبه أوكار النمل تضاعف الشعور بالعزلة والوحدة.

وليس في هذه العمارات السكنية أي مجال للراحة أو النزهة. فهي بيت إلا قليلا. أو سجن أو زنزانة بلا جريمة.. إلا الفقر والدخل المحدود.

وهي تشبه مساكن الدواجن التي تضاء ليلا ونهارا حتى لا تنام الدجاجة وتظل تبيض، لأنها عبارة عن آلة وليست حيوانا يجب ألا يتعذب. وليس غريبا أن تصاب الدواجن بالتوترات العصبية وأن تكون بينها معارك دموية. والسبب أنها كثيرة ومحشورة في مكان واحد لا يرحم.

ومن الغريب عندما يتشاجر الناس في مثل هذه العمارات السكنية أن يقال لهم: عيب أنتم جيران!

أي لأنهم جيران يجب ألا يتشاجروا.. مع أن السبب الحقيقي هو لأنهم جيران قد ضاقوا بحياتهم. فحياتهم مخنوقة خائفة. والمنازعات والخناقات أمر طبيعي.. تماما كالدجاج في المزارع الكثيفة..

ولهذا السبب يهرب الناس من سكنى العاصمة. يهربون من الشقق إلى الفلل الواسعة في الضواحي.. أو العمارات ذات الحدائق والملاعب، وهي التي يفتقدها الناس في عمارة «مجمع التحرير» التي تجاور مسجد عمر مكرم الذي يقام فيه العزاء كل ليلة.. وهذا سبب آخر يضاف إلى بقية الأسباب التي تجعل الهرب ضرورة حياة أو موت!