جريمة وسط الديمقراطية البحرينية

TT

قضت محكمة في البحرين ببراءة تسعة عشر اتهموا بقتل شرطي في حادثة خالطتها إشكالات سياسية وقضائية. ملابسات الحادثة مثيرة للاشتباه إلا أن المحكمة قررت، بناء على تقرير الطب الجنائي، بأن الوفاة نتيجة ارتطام ولم تكن جريمة قتل متعمدة. المظاهرة، التي وقعت قبل نحو عام ونصف، تخللها أعمال شغب ويقول الادعاء إن المتهمين ألقوا عمدا زجاجة مولوتوف حارقة على سيارة الشرطي وتوفي بسببها. لهذا سبب نطق الحكم ببراءتهم جميعا صدمة لمن كان يتوقع إدانة بعضهم، في حين يقول الطرف الآخر إنها كانت محاكمة شفافة لكل الأطراف، وراقب سيرها جماعات حقوقية، وبالتالي ظلت خارج التسييس.

تلك الحادثة وحوادث شغب أخرى في البحرين تثير التساؤل، لماذا تحدث في بلد يسمح بالتظاهر، ويسمح بالتعبير، ويجيز الانتخابات المراقبة دوليا؟ هل هو دليل آخر على فشل الديمقراطية العربية، أم أنها حوادث فردية لا يعتد بها تقع في أكثر المجتمعات حرية ومشاركة سياسية؟

البحرين ميزت نفسها، في العقد الماضي، بسلسلة جريئة من الخطوات التي أقدم عليها الملك حمد بن عيسى كانت خارج التصور، خاصة في ظل ما يشاع أن البحرين سيكون آخر الدول الخليجية القادرة على الإصلاح، بسبب تركيبته السكانية التي لا تحتمل ترف التعبير الحر، والعمل الحزبي، وكذلك في ظل شكوك بوجود امتدادات للمعارضة خارجيا. التجربة منذ يومها الأول كانت مرة ومقلقة، ولا تزال تقلق من يقرأ حوادثها، لكنها بالنسبة لكثيرين يمارسون العمل السياسي والإعلامي في البحرين مجرد حياة طبيعية في خط سريع من الطبيعي أن تقع فيه حوادث سير مميت.

مع أنني أتفق معهم على أن هناك عواطف متصاعدة في القضايا المحلية والخارجية تستوجب السماح لها بالتنفيس والتعبير حتى لا تلجأ إلى العنف، أو تستخدم من قبل المغرضين، أو حتى لا تتحول من معارض إلى فكر معاد، إلا أن هناك من يريد استخدامها خارجيا أو داخليا لأغراضه السياسية. لقد شهدنا في أزمات الثمانينات تحول المعارضة العفوية المعبرة عن حاجاتها، أو آرائها، إلى مخالب خارجية ثم انطفأت فجأة بعد تحقيق مصالحات مع الأطراف الخارجية المحركة. العامل الأجنبي كان هو الأساس وراء المعارضة، ولم يكن مجرد متعاطف أو متحالف فقط.

بكل أسف، هذا ما يحدث اليوم في اليمن، فالأطراف الخارجية قامت باستغلال المناخ الحر الجديد بالتواصل، والتجنيد، وتمويل وحتى تدريب فريق من المعارضة، التي تحولت إلى مسلحة مع أن الدولة تسمح بهامش لا بأس به من التمثيل والمشاركة والتعبير. النتيجة اليوم أن اليمن يعاني من أسوأ حركة تمرد في تاريخه الحديث، تهدد مؤسساته وكامل كيانه.

البحرين لحسن الحظ، أو ربما لحسن الإدارة السياسية، لم تصل قط إلى مرحلة التدهور وحوادث العنف ظلت محدودة ومتفرقة. ولعل الحكم القضائي، الذي صدم جزءا من المجتمع وأسعد الجزء الآخر، عندما برأ من اشتبه في تورطهم في عملية القتل عزز مفهوم احترام المؤسسات التي تحتاج إلى بناء الثقة الذي يحتاج إلى زمن طويل من الصبر.

[email protected]