باكستان: بعد «سوات» جاء دور «وزيرستان»

TT

في أقل من ثمانية أيام سقط أكثر من مائة قتيل في باكستان جراء عمليات إرهابية قامت بها «طالبان» باكستان. الهجوم الأخير وقع في وادي سوات صباح الاثنين الماضي، وبرزت قوة «طالبان» في منطقة قال الجيش الباكستاني، أنه هزم «طالبان» فيها. أما هجوم السبت الماضي على مقر قيادة الجيش في روالبندي، فإنه كبير من حيث المغزى. روالبندي قريبة من العاصمة إسلام آباد، تبعد عنها فقط عشرين دقيقة، وهي العصب الرئيسي لأقوى مؤسسات الدولة الباكستانية. لكن المهاجمين نجحوا في اقتحامها، وأخذ رهائن من كبار ضباط الجيش. كانوا يرتدون ثيابًا عسكرية، ويقودون سيارة عسكرية، ومثل هذه العملية تتطلب مستوى متقدمًا وجرأة.

قال الجيش إنه اعتقل أحد المهاجمين المعروف باسم «أكيو»، وهو عضو في إحدى المجموعات المتطرفة «عسكر جنبي» التي تنتشر في البنجاب.

لهذه المجموعة علاقات قوية مع «القاعدة» و«طالبان» باكستان الذين ينشطون خارج مناطق القبائل، ويعتقد بأنها وراء عدد من العمليات الإرهابية الكبيرة مثل الهجوم على فندق «ماريوت» العام الماضي، والهجوم على فريق الكريكت السيرلانكي في لاهور، المشكلة التي ستواجهها الحكومة الباكستانية، أن البنجاب صارت منبعًا للجهاديين، ومجندي الجيش الباكستاني من البنجاب، لذلك فإن الجهود لضرب الجهاديين في البنجاب ستكون صعبة. «طالبان» يقولون إنهم سيستغلون إلى أقصى حد علاقاتهم مع المجموعات المتطرفة الأخرى في كل باكستان.

وزير الداخلية الباكستاني رحمان مالك قال أخيرًا: إن كل الطرق تؤدي إلى جنوب وزيرستان.

بالفعل، فإن الجيش الباكستاني بدأ الاستعداد لشن حملة كبيرة على المناطق القبلية في شمال وجنوب وزيرستان المجاورة لأفغانستان. ضرورة القيام بهذه العملية اتُفق عليها في اجتماع عقد في نيويورك قبل أسبوعين، وجمع مسؤولين من الأجهزة الأمنية الأميركية والرئيس الباكستاني آصف زرداري الذي هو أيضًا القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وكان رئيس جهاز الاستخبارات الباكستانية الجنرال أحمد شوجا باشا، زار هو أيضًا الولايات المتحدة لينسق هذه العملية مع نظرائه الأميركيين. والهدف من العملية إلحاق هزيمة بـ«القاعدة» في وزيرستان. وتشعر الحكومة الباكستانية بأن الوقت الآن ملائم لمثل هذه العملية، لأن قادة «القاعدة» في منطقة جنوب آسيا إضافة إلى «قادتها» الذين هربوا من العراق، يقيمون جميعًا في وزيرستان. وتشعر باكستان بثقة من حظوظ نجاح هذه العملية، رغم أنها أصعب جغرافيًا من وادي سوات، كما أن جمع المعلومات الأمنية ليس سهلاً لأنها منطقة قوة «طالبان»، وفيها يسمح هؤلاء بملاذات آمنة لـ«القاعدة» ولمجموعات أخرى لشن هجمات على القوات الأجنبية في أفغانستان. بعد عودة زرداري من أميركا، قال المتحدث باسم المؤسسة العسكرية الجنرال آثار عباس، الذي كان رفض سابقًا فكرة عملية وزيرستان، إن المناطق القبلية ستتعرض لهجوم وشيك: «إنها مسألة وقت ولن نكشف عنه»، لكنه أضاف: إن الطقس سيكون عاملاً أساسيًا، فثلوج الشتاء تنهمر بكثافة في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر).

ربما الأجواء أفضل الآن، بعدما نجحت الطائرات الأميركية من دون طيار (درونز) في القضاء على كثيرين من زعماء «القاعدة» و«طالبان» ومجموعات جهادية أخرى.

وكانت طائرات «الدرونز» أغارت ستين مرة داخل باكستان في الشهور العشرين الأخيرة، واعتبرت باكستان أن تلك الغارات خرقت سيادتها. وزاد من حنق الرأي العام الباكستاني عدد الضحايا من المدنيين.

لكن الحكومة الباكستانية طلبت من الولايات المتحدة إن كان بالإمكان توفير طائرات «الدرونز» للجيش الباكستاني ليستعملها في العمليات المتوقعة على وزيرستان.

وأثناء إجرائه محادثات مع وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، إنه يدرك لماذا استعملت أميركا تلك الطائرات. وأضاف: يعترف الشعب الباكستاني بفعالية هذه التكنولوجيا الجديدة (الدرونز)، وهناك سجال عميق يدور لدينا حول السيادة. يشعر شعبنا أن سيادتنا خُرقت بسبب هذه الطائرات لذلك، نريد من الأميركيين أن يحولوا تكنولوجيا «الدرونز» إلى الاستعمال الباكستاني.

يعتقد الباكستانيون بأن هذه أفضل طريقة تسمح للحكومة المدنية بمواجهة ردود الفعل السلبية من الرأي العام الذي يتهمها بأنها تسمح لطائرات «الدرونز» بالإغارة. وهي بهذا الطلب، الذي تعتقده مبررًا، تريد الظهور بأنها لا تسمح لأميركا بأن تفعل ما تشاء في الحزام القبلي، بل تطلب أن تكون هي المسؤولة مباشرة عن غارات «الدرونز»، وعلى واشنطن بالتالي أن تخفف من الشعور بالإحراج الذي ينتاب حكومة إسلام آباد.

مصدر أميركي قال لي: «إن واشنطن غير مستعدة، على الأقل في الوقت الحالي، لتلبية هذا الطلب. فهي لا تستطيع أن تمنح السلطات الباكستانية هذا النوع من التكنولوجيا المتقدمة، لأنها لا تعرف بأيدي من، يمكن أن تقع».

هناك أمر آخر، تشعر باكستان بأنه يخرق سيادتها، إضافة إلى غارات طائرات «الدرونز»، وهو الشروط المتعلقة بالمصادقة على تمرير المساعدة السنوية التي تبلغ 1.3 مليار دولار والتي ألحقت بقانون كيري ـ لوغار (جون كيري وريتشارد لوغار)، فالشروط تدعو الخارجية الأميركية للتأكد من أن حكومة باكستان لا تدعم الفصائل الجهادية التي تشن هجمات على الهند وأفغانستان، وتدعو أيضًا للتأكد من أن الحكومة المدنية في باكستان تسيطر على العسكر.

ضمنًا تأمل الحكومة المدنية في باكستان، في حال مصادقة الكونغرس أن تسمح لها هذه المساعدة المالية بأن تكون لها الكلمة الفصل ـ بدعم أميركا ـ في المسائل المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية، وبأن تحدد بالتالي من تدخل الجيش. ويقول لي صحفي باكستاني إن هذه مسألة خطيرة وغير مرغوبة، وقد تتسبب بشرخ عميق بين الحكومة المدنية والقيادة العسكرية. ثم إن الرئيس زرداري سجله مفعم بالفساد، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من السياسيين ورجال الأمن، لقد أعطت واشنطن باكستان خلال زمن الرئيس برويز مشرف مبلغ عشرة مليارات دولار، فماذا كانت النتيجة. صارت المجموعات الجهادية منتشرة في كل المناطق الباكستانية.

ويضيف: إنه لا يستبعد أن تتوتر لاحقًا علاقات باكستان بالهند، «وهذه المرة بسبب أفغانستان، ذلك أن النفوذ الهندي صار واضحًا ومنتشرًا فيها، وبدل الطلب من باكستان أن تردع مجموعات جهادية من القيام بعمليات إرهابية ضد الهند وأفغانستان، يجب التشدد مع تلك الدولتين والطلب منهما احترام الأمن القومي الباكستاني».

وأسأله عن أبعاد عملية سوات الأخيرة بعدما قال الجيش إنه هزم «طالبان» في سوات؟ يجيب: «قبل العملية العسكرية التي قام بها الجيش في سوات، كان (طالبان) أخذوا كل مسؤوليات ومهمات الحكومة. لم تعد هناك دولة، أقاموا محاكمهم، وأصدروا عقابهم، وفرضوا ضرائبهم. بهزيمة (طالبان) أعادت الدولة وجودها في سوات. أما استبعاد وقوع عمليات إرهابية، فإنه سيأخذ وقتًا طويلاً».

وينفي محدثي أن يكون الرأي العام، بعد العمليات الإرهابية المتكررة، تراجع عن موقفه الأخير المناوئ لـ«طالبان» و«القاعدة»، يعطيني مثلاً: «بعد عملية المسجد الأحمر في إسلام آباد قبل سنتين، لم يعط التلفزيون الباكستاني أكثر من دقيقة ونصف دقيقة لنقل مأتم الكولونيل الذي مات في العملية، واستغرقت تغطية التلفزيون لمأتم الإمام الذي قاد تمرد المسجد الأحمر أكثر من ساعتين. هذا لم يعد موجودًا الآن، ففي اليومين الأخيرين غطى التلفزيون مطولاً مآتم رجال الأمن الذين قتلوا في العمليات الإرهابية، وقام المراسلون بالتوجه إلى القرى مسقط رأس هؤلاء الجنود، وتحدثوا مع الناس الذين أكدوا بشكل حتمي أنهم ضد الإرهابيين». عندما وقعت العملية الإرهابية في الخامس من الشهر الجاري ضد مقر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في إسلام آباد، قال وزير الداخلية الباكستاني إن هذه العملية قام بها «طالبان» انتقامًا لمقتل زعيمهم بيت الله محسود في الخامس من آب (أغسطس) الماضي. و«نتوقع المزيد من هذه العمليات». هذا النوع من العمليات الإرهابية قد يزداد مع الاستعداد العسكري للهجوم على جنوب وشمال وزيرستان. ورغم أن «طالبان» باكستان تعرضوا لضربة بمقتل زعيمهم محسود، وبسبب التناحر الداخلي في ما بينهم حول من يأخذ مكانه، فإن عمليات الأيام الماضية شُنت لإظهارهم بأنهم لا يزالون قوة متجانسة يجب أن يُحسب لها حساب، فهي لا تزال تملك القدرة على الضرب في قلب الدولة الباكستانية.

هل ستُعجل العملية الأخيرة في سوات، بتقديم موعد الهجوم الكبير على وزيرستان؟ يبدو أن غارات طائرات «الدرونز»، فعلت أكثر من قتل القادة، لأن تلك المنطقة عاصية على الدولة الباكستانية وجيشها منذ إعلانها. وأن تكون هناك عملية مقبلة، فهذا يعني أن الأميركيين مهدوا الطريق أمام أكثر من مجرد قتل قادة «طالبان» و«القاعدة» وكل من لجأ إلى تلك المنطقة من مجموعات جهادية.