انتظار الترياق من «جيران» العراق

TT

قديما كانت النصيحة المعهودة لعلاج السقم: انتظار الترياق من العراق.

واليوم، وبفضل «خاصية» لبنان المذهبية، أصبح المطلوب لعلاج سقمه السياسي انتظار الترياق من «جيران» العراق.. (ومن دون العراق طبعا).

أما عن دور الجيران في حياة لبنان السياسية.. فحدث ولا حرج. والجار جار مهما «جار».

ويكفي لتأكيد دور الجيران في لبنان أن أربعة أشهر كادت أن تنقضي على التكليف الأول لسعد الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات (التي أفرزت أكثرية وأقلية برلمانية واضحتين) والترياق لم يأت بعد من كل جيران العراق.

وعليه قطّع لبنان أربعة أشهر من أيامه المثقلة بالهموم الاقتصادية والأمنية متلهيا باستشارات تلو الاستشارات حتى يخال للمراقب الخارجي لشؤونه أن أمرا داخليا جللا يحول دون تشكيل الحكومة، لا مطالب إقليمية تحولت إلى عقد توزيرية.

مع ذلك لا يزال للتفاؤل فسحة في صدور اللبنانيين، فما كانوا يسمونه بالاستحقاق الخارجي المطلوب لتمرير التشكيلة الحكومية، أي الـ«س ـ س» (التوافق السعودي ـ السوري) تم منذ أسبوع تقريبا وبضوء أخضر ساطع لا يخفى على أحد أهميته: دعوة مشتركة للتعجيل بتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وما كان يعتبر عقدة داخلية في وجه التركيبة الحكومية ذللت أيضا باعتماد المعادلة الوزارية 15+10+5 وموافقة كل الأطراف عليها.

مع ذلك، وحتى الأمس، ظل تشكيل الحكومة رهن المزيد من المشاورات وكأن اللبنانيين بصدد تشكيل جمعية جديدة للأمم المتحدة لا مجرد حكومة تسوس شؤون أربعة ملايين مواطن يتعايشون على عشرة آلاف كيلومتر مربع.. وإن بحذر.

واليوم يتساءل اللبنانيون بحيرة عما يجري وراء الكواليس الداخلية والإقليمية؟

بعد القمة السعودية ـ السورية قيل إن «الخارج» لم يعد عقدة التشكيل، وبعد لقاء سعد الحريري وميشيل عون الأخير قيل ـ وعلى لسان عون ـ إن أجواء الداخل «إيجابية جدا». ومع ذلك المشاورات مستمرة.

لا جدال في أن فقدان الثقة بين قوى الأكثرية وقوى الأقلية البرلمانية يصعب تجاوزه في أسابيع أو أشهر. ولكن إذا كانت كل هذه «التقديمات» الخارجية و«التنازلات» الداخلية لم تمهد بعد لقيام حكومة لبنانية جامعة فذلك يعني أمرا من اثنين: إما أن الأجواء الموصوفة بـ«الإيجابية» في الداخل لا تزال دون المستوى المطلوب لتسهيل ترجمتها إلى أفعال، أو أن جارا ما من «جيران العراق» ما زال غير مقتنع بالمعادلة المقترحة للحكومة العتيدة.

على هذا الصعيد الشائعات كثيرة ومتناقضة. ولكن ما ذكرته مصادر مواكبة لعملية تشكيل الحكومة عن تعهد سوري للسعودية «بالتحدث» إلى الإيرانيين في موضوع الأزمة اللبنانية، يرهن تشكيل هذه الحكومة بحدوث «افتراق» شكلي بين دمشق وطهران حيال تركيبتها. وهذا «الافتراق» لا يبدو مستبعدا بعد أن أصبح الجانب السوري أكثر اقتناعا من الجانب الإيراني باستحالة بقاء لبنان دون حكومة وأكثر تقبلا لمعادلة الـ 15+10+5 التي يعتبر أنها لا تحرم الأقلية البرلمانية وحلفاءها الإقليميين من أوراق كثيرة كافية للمساومة والتفاوض في سياق طويل من العمل الحكومي.

ولكن التعهد السوري بحل الأزمة اللبنانية من خلال حوار مع الطرف الإيراني، على أهميته وضرورته، قد يدخل عملية تشكيل الحكومة اللبنانية في اختبار نفوذ خفي بين «كلمة» سورية و«كلمة» إيران في لبنان، وهو اختبار لا يستبعد أن ينتهي بتسليم طهران بـ«تفاوت» آخر «مستور» مع دمشق في مواقف البلدين الإقليمية (بعد «التفاوت» المعروف في مقاربتهما للتسوية السلمية مع إسرائيل.)

مع ذلك، ومهما كان خيار قبول طهران بوكالة سورية في لبنان مرجحا على سواه من خيارات قد توهن التحالف الإيراني ـ السوري في ظروف داخلية وخارجية دقيقة في إيران، فهو لا يخلو أيضا من عقد لبنانية داخلية تعود جذورها إلى «تفاوت» نسبة ولاء حلفاء الطرفين في لبنان لخطيهما السياسيين.. وبالتالي مدى قبولهم بتسوية الـ«س ـ س» إذا لم تتحول، رسميا، إلى «س + س + أ».