قد لا يستحقها.. ولكنه يحتاجها!

TT

ما أحوج أوباما إلى جائزة نوبل للسلام، بعد أن اختفى انبهار أميركا برئيسها الأسود في أقل من ستة أشهر، وبعد أن ظهرت على سطح الجسد السياسي الأميركي دمامل العنصرية، وزادت نسبة التهديدات بقتل الرئيس بصورة علنية من اليمين المتطرف بدرجة غير مسبوقة لم تحدث لرئيس أميركي سابق، فقد فاقت هذه التهديدات ما تلقاه سابقوه في البيت الأبيض بأربعة أضعاف. أوباما اليوم تحت ضغط يميني شديد يحاول تصويره على أنه مجرد خطيب لا يفهم في السياسة وأن نتائج سياساته ستكون كارثية على أميركا. تحت وطأة هذا الضغط الكبير، أوباما يحتاج إلى دعم دولي ليقنع الأميركيين بأنهم لم يخطئوا في الاختيار، ومجلس أمناء جائزة نوبل قدم له هذا الدعم في خطوة هي سياسية بامتياز، وقد تؤكد شكوك من كانوا ينظرون إلى الجائزة على أنها سياسية في المقام الأول. لجنة نوبل بمنحها جائزة هذا العام للرئيس باراك أوباما تكون قد دخلت طرفا في الصراع الأميركي الداخلي القائم. أوباما قد لا يستحق الجائزة ولكنه يحتاجها كي يستمر وكي تستمر أفكار الرجل في التداول: من عالم خال من الأسلحة النووية إلى سلام عاجل في الشرق الأوسط. لو لم يجد أوباما هذا الدعم الدولي سيكون رئيسا لأميركا لمدة واحدة، أو ربما أقل من مدة إذا نال منه المتطرفون كما نالوا في السابق من مارتن لوثر كينج ومن جون كيندي. إذن القضية ليست مجرد جائزة تشجيعية لأوباما كي يفعل ما يريد أو يكمل ما يريد، إنها جائزة انحازت لأوباما بعد أن اتضح للجميع أن الرجل مستهدف داخل أميركا، فكانت الجائزة بمثابة حزام أخلاقي يجعل من الحديث حول أوباما بعنصرية أمرا غير مقبول لا في داخل أميركا ولا في خارجها.

زاوية أخرى يمكن النظر منها إلى منح الجائزة للرئيس الأميركي، فربما لا يستحق أوباما الجائزة بالطريقة التقليدية عن عمل واحد قام به، كما حدث مثلا مع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، لكن تجربة أوباما الشخصية التي أوصلته إلى البيت الأبيض رغم كل العقبات، ما ظهر منها وما بطن وما علمنا منها وما لم نعلم، تعد تجربة إنسانية استثنائية جدا وتستحق التقدير، ومع ذلك أتفهم موقف المعارضين لهذا الرأي. لو مُنح أوباما الجائزة في وقت لاحق ربما لن يكون لها المفعول ذاته، فهو يحتاج الجائزة الآن وليس غدا، التوقيت مهم جدا بالنسبة للرئيس الأميركي الجديد الذي تحيط به الأخطار من كل جانب. وأوروبا غالبا ما تنحاز إلى فكرة الرئيس الأميركي المثقف، كما كان الحال في موقفها من الرئيس الراحل ودرو ولسون الذي كان يمثل العقل الأميركي المستنير. فمن الوارد أن أوروبا متمثلة في لجنة نوبل أرادت دعم رئيس أميركي مثقف له كاريزما، ولكنه مهدد في الداخل. أوباما بثقافته وشخصيته الساحرة هو النسخة السوداء من ولسون، مضافا عليها ما يمثله أوباما من الجانب العرقي وتاريخ الاضطهاد الذي تعرض له السود. فبذا تكون مناصرة أوباما هي بمثابة مساعدة أميركا في الانتصار على ماضيها العنصري البعيد، وماضيها القريب المخيف والذي كانت إدارة الرئيس جورج بوش الابن رمزا له.

لجنة نوبل بمنحها أوباما جائزة السلام أرادت أن تضع ثقلها لعل ميزان العالم يميل نحو كفة العدالة، كما قال مارتن لوثر كنج.. قوس ينثني على بعد ولكنه يميل في اتجاه العدالة، فالرئيس الأميركي على عكس سابقه دائما ما يعلن عن رغبته في تحقيق العدالة في مجتمعه وخارجه.. ربما لا يستحق الجائزة، ولكنه بكل تأكيد يحتاجها، بل ويحتاجها الآن.