شوية فلسفة

TT

في مدينة جدة هناك محل «متخصص» في بيع الشاورما المختلفة، وأعني بالمختلفة هنا مسائل عدة فلا الخبز هو الخبز المعروف للشاورما، الخبز العربي المستدير، ولكنه خبز أشبه بالخبز الفرنسي الباجيت والذي يطلق عليه لقب الخبز الصومالي (وهو حقيقة أحضره الصوماليون لجدة إبان الاستعمار الإيطالي هناك) والخلطة الموجودة داخل الشاورما حارة للغاية. وعندما أشتري الشاورما من هناك لا أسأل عما بداخلها (ربما حتى لا أغير رأيي!) ولكني أستمتع بمذاق مميز وفريد و«مختلف» للشاورما هذه. وكذلك الحياة، هناك مسائل لا تحلو إلا بما تكون عليه الأمور، حلاوتها في خلطتها، لذتها في غرابتها، فلو كانت كل المسائل والأمور «نمطية» وصورة متكررة لما هو في بالنا وذهننا، لتحولت الدنيا إلى سجن كبير شديد الملل وخانق للروح.

أتذكر ذلك عندما أقرأ وأتابع الصراعات التي تطل علينا يوميا على صغائر الأمور وينقسم المجتمع جراءها إلى فريقين؛ أحدهما في أقصى اليمين والآخر في أقصى اليسار من هذا الصراع المبادئي العظيم. على ماذا الصراع حقيقة؟ لا أحد يستطيع الإجابة، ولكن تقسيم الفرق بات هو سيد الموقف. أطالع اليوم حجم المساحة المنطلقة بقوة وكرم وإسهاب على مواضيع النقاب (هل هو فرض، عبادة، عادة، سنة أو...؟) وعن الاختلاط (هل هو حرام، حلال وما الفرق بينه وبين الخلوة أو...؟) هذه نكهة اليوم ومواضيع الساعة وستأتي مواضيع جديدة بكل شوق طبعا كما جاءت مواضيع خاصة بأنواع الزواج وأنواع الطلاق. حجم التشنج والقلق والتوتر للقضايا في العالم العربي يبدو غير منطقي ومبالغا جدا فيه. تركيبة معقدة وحلول جدلية، إقحام الدين في العادات والزج بالأعراف في الدين وخلط الاثنين في السياسة ورجهم جميعا على الاقتصاد والثقافة والنتيجة كوكتيل «غير مشكل» سامٍ يجعل من إنفلونزا الخنازير مرضا سخيفا ولا خوف منه. اليابان تلك الدولة المبهرة التي تجاوزت محنة هزيمتها المذلة في الحرب العالمية الثانية وتعايشت مع عار سقوط قنبلتين نوويتين على مدينتيها هيروشيما وناجازاكي نفضت غبار الألم ومسحت دموع الخجل ونفضت عن نفسها بقايا الذل وركزت على القانون والتعليم والعلم والعمل وتحولت إلى ما هي عليه اليوم. دولة مبهرة تحتل ثاني أكبر اقتصاديات العالم وعادت لتنتقم؛ فها هي تويوتا إحدى أهم شركاتها تصبح مصنع السيارات الأول في العالم. شيء مبهر. اليوم ودول كثيرة تتحدث عن حقوق الإنسان، تقوم اليوم اليابان بالبحث والدراسة الحقيقية والجادة في مسألة حقوق الإنسان الآلي «الروبوت»، نعم بلا مبالغة هذا كلام صحيح. فاليوم الرجل الآلي بات واقعا في المصانع والمنازل والمكاتب ومتعدد الأغراض يريدون في اليابان معرفة ما هي حقوقه ومسؤولياته في حال وقوع حوادث وتجاوزات ومخالفات وغير ذلك من المسائل المعقدة. شعوب تحيا لتعيش أفضل وشعوب أكثر تحكي وبس. خذ الشاورما وتلذذ بالطعم، فكر في المهم وانس كل ما هو تافه. من الذي يحدد التفاهة؟ سؤال وجيه. ولكن أؤكد لكم أنني لست مسؤولا عن ذلك!

[email protected]