إسرائيل.... الاستعمار الجديد وفرض تبعية دائمة على الفلسطينيين

TT

كتب اخصائي علم الاجتماع الاسرائيلي باروخ كيمرلينج في واحدة من ابرز الصحف الاسرائيلية: «ما كنا نخشاه بات واقعا وحقيقة... اليهود والفلسطينيون ارتدوا الى القبلية القائمة على الخرافة والوهم... فالحرب في ما يبدو باتت مصيرا محتوما لا مفر منه، انها حرب استعمارية شريرة». هذا المشهد هو الواقع الغالب اذا ابدت الولايات المتحدة موافقة ضمنية عليه، غير ان هذا الوضع ينذر بعواقب وخيمة وأكثر خطورة مما هو متوقع.

ليس هناك تماثل، بالطبع، بين المجموعات العرقية/القومية التي نحن بصدد الحديث عن نكوصها الى القبلية. فالنزاع يتركز في اراض ظلت تحت احتلال عسكري قاس منذ عام 1967، كما ان الطرف الغالب يتمثل في قوى عسكرية رئيسية تتمتع بدعم عسكري واقتصادي ودبلوماسي هائل من القوة العظمى الرئيسية في عالم اليوم. اما الطرف الآخر، فهو اعزل وتعيش غالبية افراده في معسكرات اقل ما يمكن ان توصف به هو البؤس.

قسوة وفظاعة الاحتلال ادينتا بحدة من قبل مجموعات حقوق الانسان الدولية والاسرائيلية على مدى عدة سنوات. كما لا يخفى على احد الغرض من وراء الترويع والحصار الاقتصادي والاذلال اليومي الذي يتعرض له سكان الاراضي المحتلة، فقد اعلن ذلك صراحة، في السنوات المبكرة للاحتلال، موشي دايان، الذي يعد واحدا من قادة اسرائيل الاكثر حماسة تجاه ضرورة استمرار محنة الفلسطينيين. قال دايان موجها زملاءه في حزب العمل الاسرائيلي ان يبلغوا الفلسطينيين بأنهم «سيستمرون في العيش مثل الكلاب، ومن لا يرغب في ذلك عليه ان يغادر».

احدثت عملية اوسلو للسلام تغييرا على الشكل وليس على المفهوم الاساسي لهذا التوجه. فقبل وقت قصير من انضمامه لحكومة رئيس الوزراء السابق ايهود باراك، كتب المؤرخ شلومو بن عامي، المحسوب على تيار الحمائم،: «اتفاقيات اوسلو قامت على اساس الاستعمار الجديد، بنيّة فرض واقع يفرض بدوره اعتماد الفلسطينيين على اسرائيل بصورة كاملة في سياق وضع استعماري دائم». غير ان بن عامي سرعان ما اصبح مهندسا لمقترحات حكومة باراك المطابقة تقريبا للخطة النهائية للرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون.

وفي الوقت الذي وجدت فيه هذه المقترحات رواجا واشادة على نطاق في اوساط المعلقين في الولايات المتحدة، تلخصت النظرة العامة تجاه الطرف الفلسطيني في ان «الفلسطينيين وياسر عرفات يجب ان يتحملوا مسؤولية فشلهم والعنف المترتب على ذلك».

وصف كيمرلينج التعليقات التي تناولت هذا الموضوع بأنها «احتيال ارتكب بحق الرأي العام الاسرائيلي والدولي». أكد كيمرلينج في مقاله على ان «نظرة واحدة للخارطة تكفي لتثبيت حقيقة ان خطط باراك ـ كلينتون عرضت على الفلسطينيين شروطا مستحيلة». واستمر كيمرلينج: «اسرائيل منحت نفسها الحق بالاحتفاظ بكتلتين استيطانيتين تقطعان اوصال الضفة الغربية... الاجزاء الفلسطينية طبقا للخطة المقترحة مفصولة تماما عن مركز حياة الفلسطينيين في القدس... قطاع غزة معزول ايضا على نحو يجعل من سكانه اشبه بالمساجين.

وفي واقع الامر ازداد عدد المستوطنات خلال سنوات عملية السلام وزادت على وجه الخصوص خلال فترة حكومة باراك الذي اورث حكومة شارون الجديدة «تركة مفاجئة». كما اكدت الصحافة الاسرائيلية، خلال عملية انتقال السلطة مطلع هذا العام لأرييل شارون، على ان عدد المستوطنات يعتبر «الأعلى منذ الفترة التي اشرف فيها شارون على المستوطنات عام 1992 قبل اتفاق اوسلو».

يؤكد على نهج التبعية الاستعمارية الدائمة قرار المحكمة الاسرائيلية العليا التي اصدرت قرارا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1999 يرفض مجددا التماسا فلسطينيا يعارض توسيع مدينة «معالي ادوميم» اليهودية التي اقيمت شرق القدس بغرض عزل الضفة الغربية. وقالت المحكمة ان «التنمية الاقتصادية والثقافية لهذه المدينة اليهودية ربما تعود ببعض المنافع لسكان القرى الفلسطينية المجاورة.»، أي انه سيصبح بوسع السكان الذين نزعت اراضيهم الاستمتاع بمناظر المنازل الجديدة والحدائق الخضراء وبرك السباحة والمرافق الاخرى للمستوطنات التي تحظى بدعم حكومي هائل.

جرى تبني ميثاق جنيف غداة الحرب العالمية الثانية لإدانة الجرائم النازية بما في ذلك نقل الاشخاص الى اراض محتلة او ارتكاب افعال من شأنها ان تلحق ضررا بالمدنيين. ما يمكن قوله هنا هو ان على الولايات المتحدة «التأكيد على احترام» المواثيق. فقد اعلنت منظمة الامم المتحدة مكررا ان هذه المواثيق تنطبق على الاراضي المحتلة، إلا ان الولايات المتحدة غالبا ما تمتنع عن التصويت في هذه القضية غير راغبة في اتخاذ موقف علني، مما يعتبر خرقا مباشرا وواضحا للمبادئ الاساسية للقانون الدولي الذي ينص على ضرورة اتخاذها خطوة لمنع الاستيطان والمصادرة والعقاب الجماعي والهجوم على المدنيين بطائرات الهليكوبتر القاذفة للقنابل التي زودت بها الولايات المتحدة اسرائيل، الى جانب كافة الاجراءات القمعية الاخرى التي تستخدمها قوات الاحتلال. واشنطن، من جانبها، لا تزال مستمرة في تقديم هذه الوسائل التي تستخدمها اسرائيل في ممارستها رافضة حتى السماح بوجود مراقبين لحماية ضحايا هذه الممارسات.

ثمة اجماع دولي شبه كامل على مدى الـ25 عاما السابقة على شروط التوصل الى تسوية سياسية، اذ يمكن تلخيص هذه الشروط في التوصل الى اتفاق سلام واقامة دولة فلسطينية بعد الانسحاب الاسرائيلي، اذ ان هذه النتيجة تجد تأييدا واسعا داخل اسرائيل، غير ان واشنطن هي التي اعاقت السير في هذا الاتجاه منذ استخدامها حق النقض (فيتو) ضد قرار لمجلس الأمن بهذا الصدد عام .1976 هذا بالطبع لا يعتبر الحل الأمثل، غير ان الخيارات الحالية الاخرى المحتملة أكثر سوءا.

*أكاديمي وناقد اجتماعي أميركي