لكل حربه

TT

يدعو ادوارد سعيد الى إبعاد الرئيس الفلسطيني وعزله، ويدعوه بسام ابو شريف للعودة من «خارج المكان» الى ارضه، ارض الواقع من اجل تبين الاشياء عن قرب. ويبدو ان ثمة معركة اخرى لا نهاية لها، في موازاة الحرب بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، هي معركة الكاتب الفلسطيني الشهير مع ياسر عرفات.

وقبل ان يُدعى ادوارد سعيد للعودة الى ارضه، يجب ان يمهّد لذلك بالسماح ببيع مؤلفاته في مكتبات الضفة.

على ان حرب المفكر الفلسطيني مع القيادة قد خرجت في الاشهر الاخيرة عن اطارها العادي. واصبح ادوارد سعيد يلتقي في الدعوة الصارخة والمكررة لاخراج عرفات، مع الدعوات الاسرائيلية والاميركية، التي كرس حياته لمحاربتها. واذ يكبر التيار السياسي الداعي الى عزل الزعيم الفلسطيني في اميركا، باعتباره العقبة الكؤود امام التفاهم مع اسرائيل، تبدو دعوة البروفسور، سعيد سنداً في غير مكانه، ودعماً لكل ما عمل ودعا الى نقضه وهدمه.

وفيما تبدو الدعوة الاسرائيلية والاميركية لعزل عرفات، عملاً سياسياً واضح الابعاد، يبدو موقف ادوارد سعيد تصعيداً شخصياً في علاقة بين صديقين قديمين تحولت الى عداء يكاد يصبح متلفتاً سياسياً بحد ذاته. ولا تعرف حملة ادوارد سعيد هوادة او مهادنة مع الزعيم الذي توقف عن الاصغاء الى المفكر المقيم في جامعات اميركا ودُورها الثقافية، وقد اختلف الطريق وحل المفترق بين الرجلين بعد رفقة طويلة، كان خلالها استاذ الادب الانكليزي المقارن، حبة العقد في المجالس السياسية والوطنية الفلسطينية المحيطة بابو عمار. كما كان وجوده الفعلي في ذلك الاطار السياسي علامة فارقة بسبب موقعه الاكاديمي ومكانه الجغرافي وعلاقاته الشخصية المتعددة الاهميات. وكان عرفات، بحسه السياسي المعروف، يباهي بوجود مفكر من هذه السمعة الى جانبه. فالثورة يديرها السياسيون لكن المثقفين والادباء والشعراء يعطونها الافق الجماهيري المطلوب. وقد كانت لادوارد سعيد اهمية خاصة من هذا المنظار، في انه لا يخاطب فقط المشاعر العربية مثل محمود درويش، بل ايضاً، وبل خصوصاً، العقل الاميركي. ومن العقل الاميركي ايضاً يطل نافذاً على عدد من المفكرين اليهود، ويفهم من كتابات ادوارد سعيد انه كان على صداقة مع الموسيقي الشهير يهودي منوحين الذي كان من اوائل الذين اتخذوا مواقف متعاطفة مع الفلسطينيين ايام غولدا مئير. كما يفهم من مقالة بسام ابو شريف الاسبوعية امس الخميس، ان البروفسور على صداقة ايضاً مع نعوم تشومسكي.

وفي اي حال، لا شك ان ادوارد سعيد صنع من نفسه ظاهرة سياسية بالاضافة الى كونه طاقة فكرية كثيفة وغزيرة. ويفهم المرء تماماً لماذا يسعى مستشار قديم لعرفات مثل بسام ابو شريف، لاعادة الطائر المتمرد الى السرب، خصوصاً في هذه المرحلة. فمن الصعب ان تلتقي دعوته العنيفة للعزل مع الدعوات الصادرة من تل ابيب بشكل شبه اجماعي، او الدعوات الصادرة في الدوائر الاميركية السياسية والاعلامية. وبرغم التعادي في الاهداف والسياسات، فإن الفريقين يقولان تقريباً الشيء نفسه عن «عجز» ابو عمار: الاسرائيليون لأنه غير قادر على كبح الانتفاضة، وادوارد سعيد لأنه غير قادر على مضاعفتها.