فقدان الصوت اللاتيني

TT

على الرغم من أن استقالة ميل مارتينز من مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة كانت ترجع لأسباب شخصية وعائلية، فإن رحيل الوجه الهسباني الأكثر شهرة في الحزب الجمهوري كان محملا بالرمزية السياسية.

ولا ينظر مارتينز إلى نفسه باعتباره متحررا من الوهم بل يشعر «بالإحباط». فيقول مارتينز: «معظم الهسبان أمامك وأمامي من المهاجرين، وهم يعتقدون أن الجمهوريين لا يحبونهم». وعلى الرغم من أن مارتينز يؤكد أن الكثير من زملائه في مجلس الشيوخ كانوا «متحفظين، ولكنهم لم يكونوا عدائيين»، فإنه ذكر كذلك أن هناك بعض الجمهوريين المنتخبين الذين «تعاملوا مع سياسة الهجرة بطريقة مثيرة للشقاق. فالمسألة تتعلق بالنبرة التي تتحدث بها حول المهاجرين. وقد جعلت تلك النبرة الهسبان يشعرون بأنهم غير مرحب بهم، وغير مرغوب في وجودهم كذلك».

وعندما يتعلق الأمر بالسياسة العرقية فإن الرمزية تصبح ذات مغزى عميق، فقد كانت الإشارات التي وجهها الجمهوريون مؤخرا للهسبان غير مرحبة على الإطلاق؛ فخلال الجدال الذي ثار في الكونغرس في عام 2006 بشأن إصلاح الهجرة، أمسك توم تانكريدو، النائب الجمهوري عن ولاية كولورادو، الميكروفون ووصف ميامي بأنها «إحدى دول العالم الثالث». وفي العام نفسه حذر جي ديه هيورث النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا من جرائم القتل التي يقترفها المهاجرون، باعتبارها «كابوسا بطيء الحركة»، له أثر يتجاوز الأثر الذي خلفته هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وربما تجعل إحدى فقرات مشروع قانون إصلاح الهجرة الذي قدمه مجلس الشيوخ مساعدة القساوسة والوزراء والمتطوعين للمهاجرين غير الشرعيين مساعدة غير شرعية؛ أي أنهم يجرمون واجبا دينيا. وقد تجاهل المرشحون الجمهوريون للرئاسة بوضوح المنتديات الهسبانية خلال المرحلة الأولى من انتخابات 2008. وقد أحدث المحافظون صدمة عنصرية مدوية من خلال الإذاعة حين أشاروا للمهاجرين المكسيكيين، باعتبارهم «كائنات متطفلة»، و«أدنى البدائيين في العالم»، وحاملي الأمراض، حيث يحملون فيروس «إنفلونزا الخنازير»، كما أنهم «يمسحون مؤخراتهم بأياديهم». ويروج بات باشنان لكتاب بعنوان «دولة الطوارئ.. غزو العالم الثالث والاستيلاء على أميركا». وكما يقول مارتينز، فإن الكثير من الجمهوريين الذين يعارضون آرائه المؤيدة للهجرة لم تكن آراؤهم مزعجة أو غاضبة.. ولكن الأصوات الغاضبة قد أطاحت بها. وبالتالي، تتراجع شعبية الجمهوريين بين ذوي الأصول اللاتينية، فعلى سبيل المثال، أدلى نحو 56% من الهسبان لصالح جورج بوش في فلوريدا في انتخابات عام 2004. وبعد ذلك بأربع سنوات، صوّت نحو 57% من الهسبان لصالح باراك أوباما.

اعتقد أن ذلك تعريف ملائم للتطرف، بل وفي الحقيقة، فإن سعى الأحزاب السياسية لاستمالة الأقليات والأجانب بدلا من تهميشهم يعد نصرا أخلاقيا للديمقراطية. وعلى المدى البعيد، يتطلب الصراع من أجل الحصول على أصوات الناخبين دمجهم. فبحلول عام 2030، ستصل نسبة مشاركة الأميركيين ذوي الأصول اللاتينية في الانتخابات الأميركية إلى ضعف ما هي عليه الآن. ولكن يبدو أن بعض الجمهوريين يفكرون في أنهم يمكنهم التغلب على نفوذ تلك الكتلة الانتخابية المتنامية من خلال العمل على زيادة كتلتهم الانتخابية من المقترعين البيض. ولكن ذلك فعليا ليس واقعيا، حيث إن البيض الذين لم يحصلوا على تعليم جامعي يتراجعون من تلك الكتلة الانتخابية. كما أنه، وفي جميع الأحوال، من المزعج أن يصبح هدف الحزب الجمهوري هو أن يصبح أكثر بياضا.

كما أن هذه المقاربة لن تعمل فقط على تقليص الحزب، ولكنها سوف تشق صفه كذلك، فليس من الممكن أن يتقبل الكاثوليك والإنجيليون الذين يحتلون مواقع مركزية في التحالف الجمهوري إرسال رسالة امتعاض إلى الأجانب، فإيمانهم لا يسمح بذلك.

وفي ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، يتحدث الكثير من الناس عن ضرورة تطبيق القانون، ولكن هناك كذلك صورة الله التي يتفق عليها الجميع، والتي لا تسمح أن يتم تحديد قيمة الأشخاص وكرامتهم، وفقا لأصلهم القومي. ولا يمكن ترجمة هذا الالتزام الأخلاقي ببساطة إلى فتح الحدود وإصدار عفو عام. فذلك لا يعني أن المهاجرين لا يمكن استغلالهم كأدوات للغضب المنظم ولا انتقاؤهم لأغراض غير طيبة. ولكن إذا اتبع الجمهوريون ذلك المسار المؤسف فسوف يتوقف بالتأكيد الكثير من الناس عن اتباعهم.

وهذا هو السبب الذي جعل رحيل مارتينز أمرا مؤسفا. فالكثير من الجمهوريين المنتخبين كانوا يثيرون حججا قوية وجدية ويظهرون دوافع طيبة في الجدال المتعلق بالهجرة، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من القيادات المستعدة لمواجهة المتطرفين في أماكنهم. أما الآن فقد رحل أحد هؤلاء القادة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»