حان الوقت للتصرف على النحو اللائق برئيس

TT

عاجلا أم آجلا سيدرك باراك أوباما أنه رئيس الولايات المتحدة. لكن حتى هذه اللحظة، لا يزال يتصرف وكأنه مرشح رئاسي، حيث يظهر كثيرا على شاشات التلفزيون ويسمح بعقد لقاءات معه على نحو يوحي بأنه لا يزال مرشحا رئاسيا، الأمر الذي يخالف الواقع. وعلى الرغم من أن الانتخابات أجريت، فلا تزال الحملة الانتخابية مستمرة. ولم يضطلع المرشح الرئاسي بعد بمهام القائد الأعلى للبلاد.

لننظر على سبيل المثال إلى اجتماع مجموعة العشرين الذي انعقد في بتسبرغ مؤخرا، حيث أصدر أوباما توجيهاته للشبكات التلفزيونية وقادة بريطانيا وفرنسا لإصدار إنذار قوي لإيران. لقد تم الكشف عن منشأة نووية سرية أخرى لدى إيران وبدا أوباما للجميع عاقدا العزم على القيام بشيء حيال هذا الأمر، لكن لا أحد يعلم ما هو.

في الواقع، يحمل الموقف برمته مظهرا كاذبا يشي بنسخة جديدة من أزمة الصواريخ الكوبية، حيث تم اكتشاف وجود خطر، ليس صواريخ سوفياتية على بعد 100 ميل تقريبا من فلوريدا، وإنما منشأة نووية إيرانية على بعد نحو 100 ميل من طهران. وحسبما يليق مع هذا الكشف الجلل، أمدتنا كثير من الإصدارات المتنوعة بوصف تفصيلي للمناخ المحيط بالأزمة في وقت سابق داخل إحدى جلسات الأمم المتحدة، بما في ذلك هرولة بعض المسؤولين إلى خارج القاعة والمشاورات بين المساعدين الرئاسيين، الذين بدوا على ثقة من أنهم في خضم أحداث كتاب لم يعكفوا على كتابته بعد. وقد عمدت إلى تفحص التقارير بحثا عن أسماء مألوفة، مثل مكنمارا وبندي. في الواقع، ساورني التساؤل: أين الأزمة؟

في حقيقة الأمر، لم تكن هناك أزمة، ذلك أن المنشأة النووية السرية المزعومة كانت معروفة لدى وكالات الاستخبارات الغربية ـ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وقطعا إسرائيل ـ منذ سنوات عدة. وقد استنتج المحللون الاستخباراتيون وجود هذه المنشأة بناء على المشتريات الإيرانية الواردة من الخارج، وتم التحقق من المنشأة لاحقا. أما التغيير الوحيد فتمثل في الإعلان عن هذه المعلومات. وحدث ذلك، ليس لإعلان أوباما عنه، وإنما لأن الإيرانيين سبقوه إلى الكشف عنها بعد اكتشافهم معرفة الغرب بأمرها. ثم بعد ذلك لجأوا إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، كما جرت العادة، مدعين أن الموقع يرمي لخدمة أغراض نووية سلمية. إن هؤلاء الفرس أدمنوا الكذب لدرجة فاضحة.

لا أحد يصدق محمود أحمدي نجاد، ذلك أن إيران تبدو عاقدة العزم على تطوير برنامج لإنتاج الأسلحة النووية والصواريخ القادرة على حملها. وهنا تحديدا تكمن الأزمة الحقيقية ـ وليس الكشف علنا عن منشأة معروفة بالفعل ـ وهي أزمة من المحتمل أن تؤدي لاندلاع حرب. من المحتمل للغاية أن تقدم إسرائيل ـ في مواجهة هذا التهديد لوجودها ـ على قصف المواقع النووية الإيرانية. أما الذي سيحدث بعد ذلك، فمفتوح أمام التكهنات؛ ربما تقدم حماس وحزب الله على الانتقام، وتتمخض الأزمة عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط، ثم في غضون سنوات قلائل، تستأنف طهران برنامجها النووي. في المقابل، تعد الولايات المتحدة الجهة الوحيدة القادرة على تدمير المنشآت النووية السرية في إيران. وربما تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى التحرك في هذا الاتجاه.

في مواجهة أزمة بمثل هذه الحجم، ينبغي الحرص على مكانة الرئاسة الأميركية، بمعنى أن يترك لوزيرة الخارجية مهمة إطلاق التحذيرات الشديدة. عندما تحدث أوباما في بتسبرغ عن أن إيران «عليها الاعتراف بكل شيء وسيتعين عليها الاختيار»، بدت العبارة وكأنها إنذار. لكن ماذا لو لم ينصع الإيرانيون؟ ماذا سيحدث بعد ذلك؟ إن أي رئيس عليه توخي الدقة في اللغة التي يستخدمها. ومن الأفضل أن يكون مدركا لما يقوله ويقصده بالفعل. تكمن مشكلة أوباما في أنه ينخرط في اللحظة ويعني ما يقوله خلال تلك اللحظة فحسب. لقد عني ما كان يقوله عندما وصف أفغانستان بأنها «حرب ضرورية»، لكنه ليس بالضرورة على القدر نفسه من الثقة حيال هذا الأمر الآن. وعني ما قاله عندما تحدث عن الخيار العام في إطار الرعاية الصحية؛ وثانية ربما لم يعد هذا الحال قائما الآن. وأعلن أنه لن يحاكم عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لمعاملتهم الخشنة للمحتجزين؛ ومجددا ربما لا يبقي على هذا النهج.

من أكثر المواقف اللافتة للانتباه في هذا الإطار أنه طرح على الكونغرس موعدا زمنيا نهائيا في أغسطس (آب) لتمرير تشريع الرعاية الصحية، ثم ترك الموعد يمر. ويبدو أنه لم يدر بخلد أوباما أن تحديد موعد زمني نهائي يصاحبه بالضرورة نتيجة؛ بمعنى التزم بهذا الموعد وإلا..

لقد فقد أوباما مصداقيته في المواعيد النهائية التي يحددها ولم يلتزم بها قط. والآن، يجابه خطر خسارة المزيد من المصداقية بتوجهه حيال إيران. لقد دخل في حوار دون المستوى مع أحمدي نجاد، الكاذب المخضرم. (في اليوم التالي، استغلت إيران مؤتمرا صحافيا في الرد على أوباما. وبعد أيام، اختبرت صواريخ متوسط المدى). إن أوباما هو النسخة الأميركية من المرشد الأعلى، حيث اعتاد إطلاق تحذيرات جوفاء، وتحديد مواعيد زمنية نهائية جوفاء، وتبديل المسار في لحظات حاسمة، واختلاق أزمات تلفزيونية لا وجود لها. إن أوباما هو الرئيس، وآن الأوان كي يعي ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».