داحس يحييكم من صعدة

TT

لا تتعدى خبرتنا العسكرية قراءة العناوين في الصحف ولا نية في رفع ذلك إلى المستوى الاستراتيجي، فإن للاستراتيجية خبراء كثيرين. لكنني أتابع الحرب في صعدة وجبال اليمن وأطرح على نفسي تلك الأسئلة التي تخطر فقط للسذج وقراء العناوين. ومنها، على سبيل المثال، كيف يمكن ـ وبأي سلاح ـ للمتمردين إسقاط طائرتين للدولة خلال ثلاثة أيام. وقد سارعت الدوائر الإعلامية إلى التوضيح بأن الطائرتين سقطتا لعطل فني، وهذا يسمى في حكايات جحا، عذرا أقبح من ذنب، وفي صناعة الإعلام خطأ فاضحا.

فمن مصلحة الجانب الحكومي أن يقول لشعبه ولكل ذي اهتمام إن اليمن لا يحارب مجموعة عصاة في الجبال بل جيشا يتدرب منذ سنوات ليوم تنفجر فيه المواجهة أو الحرب مع الجيش النظامي. وأين كانت المراقبة طوال هذا الوقت والدولة تعرف منذ أعوام أن الحوثيين ليسوا مجرد معارضة سياسية يقطن أهلها في الفنادق. فمنذ اللحظة الأولى لجأ الحوثيون إلى السلاح. والفريق الذي يرفع بندقية أو مسدسا في وجه الدولة لا بد أن يصل إلى يوم يرفع في وجهها مدفعا أو يطلق على دباباتها وطائراتها الصواريخ.

الضراوة التي استخدمتها صنعاء في حرب الوحدة حشدت لها كل قواها العسكرية والسياسية والإعلامية. لكنها تبدو متعبة أو متعثرة في حرب الانفصال الذي يرفض الفريقان تسميتها باسمه. لكن لا يمكن أن يكون الحوثيون يحاربون من أجل ما هو دون ذلك. جيش بلا بزات مقابل جيش رسمي. ودولة مترددة وحائرة في أمرها مقابل جماعة لها مشروع واضح ومعلن تغطيه بمجموعة مطالب، هي في حقيقة الأمر منصة للقفز إلى مرحلة تالية.

ليس هناك فريق واحد يتربص بالسلطة المركزية والحكم المركزي. ولا هناك جماعة واحدة تشمت بأزمته. وليس أسهل من أن يلتقي الأعداء تحت مظلة عدو عدوي صديقي. وقد بدأت أصوات كثيرة تعلو وجهات كثيرة تتحرك وأخرى تكشف عن كوامنها القديمة. وليس سرا ولا عيبا أن اليمن الحديث نتج عن مجموعة موالفات منسجمة جمعت بينها الحرب ضد الاستعمار والرغبة المشتركة في الوحدة.

والآن هناك حرب ضد السلطة ورغبات معلنة في فك الوحدة. ومن العراق إلى الصومال إلى فلسطين يبدو النموذج واحدا. وقد لا يكون مشروعا إسرائيليا بالضرورة لكنه بالتأكيد متعة إسرائيلية.