جلباب لكل الأجيال!

TT

في فرنسا وأميركا والغرب عموما نجد أن أكثر الذين يحتلون الواجهة في مجالات الأدب والعلوم والفنون والإعلام هم من الشباب، لم يمنع كونهم في مقتبل العمر أن ينعموا بمثل هذه المكانة، فالتراتبية العمرية ليست قسرية في الغرب، كما هو الحال في مجتمعاتنا العربية الغارقة في عسل المثل «أكبر منّك بيوم أعرف منك بسنة»، ولهذا نجد للشباب في الغرب حضورهم المبكر في مختلف الميادين الوظيفية، والأدبية، والإعلامية، والفنية، والعلمية، وغيرها من الحقول، بينما على الشباب في العالم العربي الوقوف في الطابور طويلا، وفق قانون السقّائين ـ الأول فالأول ـ قبل أن يجد الشاب فرصته التي تأتيه متأخرة، حينما يغدو على بعد خطوات من خريف العمر.

هذا التهميش النفسي للشباب يدفع بالكثير منهم إلى أتون القلق، فمنهم من تنصرف اهتماماتهم إلى قضايا هامشية كقصّات الشعر، وأنواع السراويل، والقمصان، ومنهم من يعبر عن غضبه بالعنف والتخريب والفوضى، ومنهم من يفقد الثقة في الذات، فيتردى في دوامة من الخمول والانزواء، وفي تقديري أن بوصلة اللوم يجب أن تتجه إلينا قبل أن تتجه إلى الشباب، فنحن الذين أوصلناهم إلى الاصطدام بنا، والتمرد علينا، والابتعاد عنا، فللإفراط في الهيمنة والوصاية على الشباب بغرض فرض نفس الجلباب على كل الأجيال نتيجة واحدة أكيدة، هي انعدام التواصل بيننا وبينهم، فأصبحنا غرباء في عيونهم، كما أمسوا غرباء في عيوننا.

في تعاملاتنا مع الشباب نحن ندور في نفس الحلقة المفرغة، نريد منهم أن يتطابقوا مع أفكارنا، ونحن الذين لم نستطع أن نتطابق مع آبائنا، فكيف نطلب من أبنائنا أن يفعلوا ما لم نطق عليه ـ ذات يوم ـ صبرا، وهم الذين خلقوا لزمن غير زماننا؟!

لدينا في مختلف الدول العربية وزارات للشباب يغيب عن جلها الفكر الشبابي، ففي ظل أسلوب «الأبوية» التي تتسم بها الثقافة العربية، وما يفرزه هذا الأسلوب من قواعد وأعراف ومصطلحات، لا نجد أحداً ينصت لصوت الشباب المغيّب حتى عن القرارات التي تتصل بالشباب ذاته، وبدلا من أن نظل نلوك بالنقد واللوم والتجريح سلوكيات شبابنا علينا أن نتفهم معاناتهم، وأن ندرك فارق التوقيت بين زماننا وزمانهم، فلعل لذلك الشاب الذي يرفض أن يعيش في جلباب أبيه عذراً ونحن نلوم.

[email protected]