قبل أن يعلن ميتشل فشله

TT

تسعة أشهر مرت منذ تكليف جورج ميتشل بمهمة الإعداد لمشروع السلام بين العرب وإسرائيل والذي تعهد بموجبه الرئيس الأميركي بإقامة دولة فلسطينية. كان يظن أنها ستأخذ منه أسبوعين حتى يبدأ المفاوضات، لكن لا يبدو أن أحدا تعلم من الماضي.

مشروع المفاوضات الألف يعد العدة لإعلان فشله. السبب هو نفسه، يتكرر في كل مشروع مفاوضات، المراوغة الإسرائيلية والعناد العربي المتكرر الذي لا ينظر إلى خط النهاية، حيث الجائزة الكبيرة. نجح الإسرائيليون في إشغال ميتشل، وإلهاء السلطة الفلسطينية في الحديث عن إيقاف المستوطنات الذي مكنهم من المماطلة. ولا نستطيع أن نلوم بنجامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، على إضاعته للوقت، لأن الجانب الفلسطيني نفسه انسجم مع الإسرائيلي وانشغل في مصارعة أكلت الوقت والفرص الذهبية، وها نحن اليوم نرى ميتشل يغادرنا بخفي حنين، عاجزا عن بدء التفاوض.

وقد استمعت إلى تصريحات كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، الذي أكن له كل احترام، يكرر نفس الشروط لقاء بدء المفاوضات، كما لو أن التفاوض حلم أميركي لا فلسطيني وعربي من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. الحقيقة أنني عجزت عن فهم الفلسفة التي تجعله يتصلب متمسكا بهذا الشرط، ليس لأنني أخالفه الرأي في مشروعية وقف بناء المستوطنات، بل لأنه شرط جزئي في قضية أهم من ذلك. ولو نجحت المفاوضات فإن المستوطنات، بما فيها معظم الذي سكنه الإسرائيليون سيتم إخلاؤه، كما أخلوا مستوطنات سيناء بعد اتفاق كامب ديفيد، وكما هدمت المستوطنات في غزة عند انسحاب إسرائيل من القطاع. الحل النهائي سيقرر أي مستوطنات ستتم مقايضتها، وما سيهدم منها، وما سيباع في سلة التعويض. هذه هي النهاية المرجوة إلا في حالة واحدة، عند استمرار الاحتلال.

عريقات يقول شعرا جميلا، لكنه غير عملي على الإطلاق، بل يخدم الهدف الإسرائيلي، بتعطيله مشروع الرئيس باراك أوباما المستعجل على بدء المفاوضات، والذي حدد لنفسه 24 شهرا يجب ألا تتجاوزها المفاوضات منعا للمماطلة. بكل أسف، اشتراط وقف بناء المستوطنات أفسد واحدة من أهم الفرص التفاوضية في تاريخ العرب، بوجود رئيس عادل ومتحمس في البيت الأبيض، وبتكليف ميتشل كمفاوض محايد لا يحمل أجندة معادية. السلطة الفلسطينية ستخسر هذين الاثنين وستضطر لانتظار دورة تاريخية جديدة إلى حين انتخاب رئيس أميركي جديد عسى أن يحمل نفس الرغبة الصادقة، وهو أمر ليس بالمؤكد.

تاريخيا، تشير الدورة الرئاسية الأميركية إلى أن كل رئيس متحمس لتحقيق السلام في الشرق الأوسط يغادر البيت الأبيض يخلفه عادة رئيس متردد غير مبال. فالرئيس كارتر كان راغبا ونجح في تمكين مصر وإسرائيل من أهم اتفاق سلام، خلفه ريغان الذي أغلق لثماني سنوات باب البيت الأبيض. ثم جاء بوش الأب الذي هيأ المناخ في مدريد، لكن خلفه كلينتون الذي نام سبع سنين واستفاق في السنة الثامنة ليبدأ مفاوضات ناجحة لتتبخر بسبب التلكؤ العربي. خلفه جورج دبليو بوش وحكم ثماني سنوات، فتح فقط نافذة صغيرة لخارطة الطريق. ثم جاء أوباما الذي جعل مشروعه الرسمي الأول إقامة دولة فلسطينية، ليتم تكسيرها بشروط فلسطينية لعبت دور المعطل وخدمت الجانب الإسرائيلي.

مع هذا حقق ميتشل شيئا من التنازلات من نتنياهو الذي قدم له التزاما بوقف جزئي للبناء يعتبر أكثر من أي التزام تعهد به أي رئيس وزراء إسرائيلي سبقه. الأخ عريقات رفضها حتى ظننته يعمل في حكومة إسماعيل هنية، والآن ماذا؟!

[email protected]