عليكم توخي الحذر تجاه أفغانستان

TT

من الممكن أن يشكل القرار الذي سيتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال أفغانستان القرار الأهم لفترة رئاسته برمتها. وربما يكون هذا السبب وراء حذره الشديد على هذا الصعيد. بيد أن الأمر الغريب فيما يخص المراجعة التي تجريها الإدارة للسياسة الأميركية تجاه أفغانستان أنها تعاود دراسة قضايا سبق وأن جرى تحليلها بدقة شديدة ـ وحسمت على ما يبدو ـ في إعلان الرئيس في تاريخ 27 مارس (آذار) عن استراتيجية جديدة إزاء أفغانستان وباكستان. وكان الهدف من توصيات جنرال ستانلي إيه. مكريستال الأخيرة تنفيذ هذه الاستراتيجية المتعلقة بأفغانستان وباكستان، وليس إعادة النقاش إلى المبادئ الأولى من جديد.

وقد أعلنت الوثيقة الصادرة في مارس (آذار) أن الهدف الرئيسي يتمثل في «الحيلولة دون تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن لـ«القاعدة» مثلما كانت من قبل». بيد أنه سعيا لتحقيق هذه المهمة المحدودة، عمد الرئيس إلى بذل جهود أوسع نطاقا بكثير ترمي إلى «القضاء على المكاسب التي جنتها طالبان وتعزيز حكومة أفغانية أكثر فاعلية وتخضع للمحاسبة». وقد أفسدت هذه الفجوة بين الغاية والوسيلة السياسة الأميركية منذ ذلك الحين.

وعليه، عاد الآن لدراسة الأمر مجددا، ببطء وحذر ـ مثلما حدث خلال الاجتماع الذي عقده الجمعة الماضية داخل البيت الأبيض على مدار ثلاث ساعات. ونما إلى مسامعي أنه عكف على التحرك ذهابا وإيابا حول الطاولة ووجه أسئلة إلى مساعديه المعنيين بالأمن القومي كل على حدة.

وقد تبدو هذه الوتيرة البطيئة التي يتحرك بها أوباما تجاه أفغانستان مشجعة أو مثيرة للجنون، حسب المنظور الذي ترى من خلاله الأمر. على الصعيد الشخصي، أعتقد أنه يتميز بالحكمة في حرصه على التروي بشأن قضية من العسير للغاية التعرف على السبيل الصحيح في التعامل معها. إلا أن القلق يساورني من أن يتبع البيت الأبيض توجها لينا بدرجة تصيب السياسة بالغموض وتجعل فشلها أمرا محتوما.

عند النظر إلى وصف مستشاري أوباما لعملية صنع القرار، يبدو الأمر أشبه بندوة، حيث يحرص مستشار الأمن القومي، جيم جونز، على جمع الشخصيات الجوهرية كافة، بحيث يكون لكل منها صوت. وشرح مسؤول بارز الأمر بقوله: «إننا لا نتلقى أوامر قاطعة من الرئيس. إنه يرغب في عقد نقاش.. إننا نطلع على الآراء المتعارضة وصياغة حل وسط». وقد نجح هذا التوجه في خلق إجماع حول إيران والدفاع الصاروخي، ومع مضي مجالس الأمن القومي بعملها، يسير عمل أوباما، على ما يبدو، بسلاسة كبيرة.

الملاحظ أن جونز أصبح الآن السيد الأول لنطاق عمله بعد بداية مضطربة دخل خلالها في صدام مع عدد من مساعدي أوباما في حملته الانتخابية. الآن، أصبح هؤلاء المساعدون الأصغر سنا إما خارج الإدارة تماما أو في وظائف مختلفة، مما عزز من قبضة جونز. والمؤكد أن أوباما سيسعد بوجود جنرال متقاعد من سلاح مشاة البحرية بمجلس الأمن القومي عندما يحين الوقت اللازم للترويج لسياسته تجاه أفغانستان لدى المؤسسة العسكرية.

ويشدد جميع كبار مستشاري أوباما على الاختلاف الكبير بين أسلوبه وأسلوب سلفه، جورج دبليو.بوش. ورغم صحة وجود هذا الاختلاف، فإنه يبدو اختلافا في اتجاه الخطأ في بعض الأحيان. من ناحيته، صور أحد كبار مساعدي أوباما هذا الاختلاف على النحو التالي: «البرجماتية في مواجهة الآيديولوجية، والمراجعة الشاملة في مواجهة القرارات الفورية، والإجماع في مواجهة التوجهات الانفرادية».

فيما يتعلق بأفغانستان، شدد هذا المسؤول على أن أوباما يرغب في تجنب الظهور بمظهر المندفع تجاه الحرب. لكن الآن بعد مرور تسعة أشهر، لم يعد هذا خطرا قائما أمام الرئيس.

في الوقت الذي عمل بوش على نحو أشبه برئيس تنفيذي لمؤسسة ما ـ حيث قام توجهه على اتخاذ قرارات فاصلة أو وضع الأمر برمته في يد أحد مسؤوليه ـ يبدو أوباما أشبه برئيس مجلس إدارة. في الواقع، أدى ميل بوش لإصدار بعض الأحكام الفجائية إلى كوارث، إلا أنه مثلما أوضح جيمس بي. ستيوارت في مقال نشره أخيرا في «نيويوركر»، فإن بوش ترك، عن حق، مسؤولية اتخاذ قرارات حيوية بخصوص الأزمة المالية في سبتمبر (أيلول) 2008 إلى رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي ووزير الخزانة، قائلا لهما: «إذا كنتما تعتقدان بضرورة عمل ذلك، فأنا أوافقكما الرأي». إلا أنه من الصعب تخيل إقدام أوباما على مثل هذه الخطوة من نقل السلطة إلى المسؤولين المعاونين له.

بوجه عام، يمكن القول بأن التحدي الذي يواجه أوباما فيما يتعلق بأفغانستان يتمثل في تحديد مهمة يمكن إنجازها، ثم توفير الموارد اللازمة لها. لقد استبعد أوباما الانسحاب فحسب من الحرب الأفغانية ـ الأمر الذي يعتبره، عن حق، تصرفا طائشا في وقت تواجه باكستان المجاورة مواجهة دامية مع طالبان.

لكن ما هو الهدف الممكن تحقيقه أمام القوات الأميركية؟ بالنسبة لمسألة تحقيق الاستقرار في البلاد بأكملها، فإنها أشبه بمهمة مستحيلة. من جهته، يعتقد مكريستال أنه مع توافر بعض القوات الإضافية، يمكن لواشنطن توفير الأمن في المراكز السكانية الكبرى في الجنوب والشرق. ومن شأن ذلك كسب بعض الوقت لتدريب الجيش الأفغاني وتشجيع جهود الرئيس حميد كرزاي على التوصل إلى مصالحة سياسية مع طالبان. لكن هل يمكن تنفيذ هذه السياسية بالفعل؟ لا أزال أبحث عن إجابة عن هذه التساؤلات، وكذلك الحال مع أوباما.

لقد تناول أوباما النقطة الرئيسية المتعلقة بأفغانستان على نحو صائب في مارس (آذار): «نتحمل مسؤولية مشتركة توجب علينا العمل ـ ليس لأننا نسعى لفرض قوتنا للقوة في حد ذاتها، وإنما لأن سلامنا وأمننا يعتمدان على ذلك». إنها الحرب الأفغانية. وعلى أوباما أن يقرر سريعا السبيل الأمثل لأن تساعد واشنطن كابل على نحو مستدام.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»