جواز جائزة نوبل لأوباما

TT

بحصول الرئيس الأميركي ـ باراك أوباما ـ على جائزة نوبل للسلام قبل أيام، شاع النبأ في كل مكان، انتشر الخبر بين الركبان، وثار استغراب العربان، وحارت أفئدة الشيب والشبّان: فالرئيس أوباما أشاع السلام (أي التحية)، لكنه لم يحقق سلاما، ولم تمض على رئاسته سوى بضعة أشهر، أي أنه لا يزال «سنة أولى رئاسة»، وينطبق على منحه هذه الجائزة مثل خليجي يقول: «قال قَوِّه، قال تَوِّه»، أي بادِرْه بالتحية، فقيل انتظر حتى يصل.

ألقى الرئيس أوباما خطبة جميلة في البرلمان التركي وقدّم مقابلة موجزة مع «العربية» في أول لقاء تلفزيوني له كرئيس، وألقى كلمة تاريخية في جامعة القاهرة تعهّد فيها بحماية إسرائيل، وأشار فيها إلى وقف المستوطنات. وحين جاء نتانياهو، «بلع لسانه» كما يقولون، وتغيّرت أولوياته، وتحوّل الحديث مديحا له لوقفه «المؤقت» لبناء مستوطنات جديدة مع الاستمرار في بناء «التطور الطبيعي» لها! فلم أجازت لجنة نوبل منحه الجائزة؟

أصل كلمة جائزة من جازَ أي تعدّى، ويحكى أن قائدا وعد بعطية تُعطى لمن يعبر نهرا كان حائلا بينه وبين عدوٍّ له، وكان يعطي «جائزة» لكل من اجتاز النهر صوب عدوّه.

والمجاز هو الطريق كأن نقول بأن «خارطة مجاز السلام» تاهت بتعنت نتانياهو وإصراره على المستوطنات، وإجازة ـ أي موافقة ـ أوباما على ذلك ولو صمتا. وذلك على حساب الشعب الفلسطيني الذي أصبح بلا مجيز – أي بلا ولي أو قيّم على شئونه لصراع فتح وحماس على السلطة دون أن يجاوزوا ـ أي يتوبوا ـ عن ذنوب الماضي التي ارتكبوها رأفة بشعبهم.

لا زال أوباما يجوّز في الكلام أي يتكلم بالمجاز كشاعر يجيز شعرا، ومن التجوّز جاءت عبارة «موجز لنشرة الأنباء». والمستوطنات تجوّز الضفة الغربية ـ أي تشق قلبها ووسطها دون إجازة أو ترخيص، وجدار فصل عنصري يمنع الجيزة (شربة الماء) عن الفلسطينيين ويصادر أراضيهم.

ولعل أصل اسم منطقة الجيزة في مصر من مشرب ماء أو ربما الأرض التي تحاذي وادٍ ما، كما تسمى الأرض التي بها شجر جوز الهند أرض مجازة، وتظهر القواميس كلمة مِجْوز كمشتق لنفس الكلمة، والمجوز آلة موسيقية لها قصبتان كالمزمار وتسمى في فلسطين الشبّابة وفي العراق المُطبَق وفي الخليج ومصر ماصور، وقد غنّت لها الشحرورة صباح: «جيب المجوز يا عبود، ورقّص أم العيون السود».

من غير الواضح إن كان ثمة علاقة بين موسيقى الجاز وكلمة جاز العربية، لكن المؤكد أن الجاز موسيقى اخترعها السود في جنوب أميركا ومنتشرة بين مجاميعهم الموسيقية. فهل من علاقة بين المِجْوز وبين الجاز؟

والزواج بين زوجين لا يتم إلا بإجازة شرعية، لكن قلب الأصوات حوّل الزوج ـ باللهجة المصرية ـ إلى الجوز، وفي المغرب هي جوج، ومن معاني الجوز الاكتفاء بالقليل، وهو ما يبدو أن أوباما قبل بأقل منه حين التقى نتانياهو حول مسألة المستوطنات وحل الدولتين السلمي للصراع العربي الإسرائيلي.

أوباما حقق كلاما جميلا عن السلام ـ لا السلام نفسه، ومنحه جائزة نوبل للسلام، قرار مبكّر ـ ولا أريد أن أقول مجامل أو متسرّع، وعسى أن يكون القصد منه دفعه للشعور بأن يعمل على السلام، وحثه على تحقيقه.

كنت أناقش مسألة منح الرئيس أوباما جائزة نوبل للسلام في مقالات الصحف العربية مع مجموعة من الأكاديميين، وجادلت بأنه لا يستحقها، وبأن اللجنة لم تكن محايدة وقرارها في غير محله، فقال لي أحدهم بلهجة خليجية: «إحنا شكو (ما دخلنا)؟ الجائزة جائزتهم، يعطونها من يشاؤون».

فكرت فيما قال، وقرّرت أن أجيز، فأكتفي.