لا تشرب (التتن) يا المملوح

TT

إنني من الكارهين للتدخين والمدخنين والمدخنات، رغم أنني أحياناً وفي الخفاء أشفط من (السيجارة) خلسة عدة شفطات، إلا أن ضميري بعدها يظل يعاقبني عليها عدة أيام.

ورغم أن اكتشاف أمريكا أعطى العالم البطاطس والطماطم والذرة، فهو أعطى العالم كذلك أسوأ عادة ليس لها أي فائدة ألا وهي عادة التدخين، صحيح أنها تعدل (المزاج) أحيانا، ولكنها بالمقابل تلوث وتدمر الصدور.

واليوم نشاهد مكافحة التدخين تجري على قدم وساق خصوصاً في أمريكا وأوروبا، كافحوها بشتى الوسائل، فمنعوا الإعلانات عن السجائر في كل وسائل الإعلام، ومنعوا المدخنين عن ممارسة هذه العادة السيئة في المكاتب والمطارات والمطاعم وحتى البارات، ولا يشفي غليلي أكثر من رؤية المدخنين وهم يقفون مرتجفين على أرصفة الشوارع في البرد القارس لكي يحظى كل واحد منهم بعدة سيجارات قبل أن يدخل إلى مكتبه.

ولا أنسى الموقف المحرج الذي تعرضت له يوماً، عندما شاهدت فتاة في منتهى الرقة والجمال وهي واقفة على الرصيف تدخن، فتقدمت لها بكل براءة وشفافية لكي أنصحها وأقول لها: حرام عليك أن تلوثي شفايفك الحلوة بتلك السيجارة، وإذا بها تثور عليّ وتكاد تنط بوجهي وتطفئ السيجارة بعيني، معتقدة أنني أتحرّش بها، ثم تصب عليّ كما هائلا من الشتائم أقلها: لعنة الله عليك وعلى الذين خلفوك، فتركتها هارباً ونافذاً بجلدي.

ورغم أن التدخين قد بدأ يقل في العالم الأول، فإنه مع الأسف ازداد في العالم الثالث، وأعطي دعماً غير محدود لمصانع السجائر.

وقبل مدة قرأت إعلاناً (مبتكراً) لهيئة خيرية في أحد البلاد العربية لمحاربة التدخين، وهو إعلان لم يسبقها إليه أحد، وهو يقول بالحرف الواحد: (اترك التدخين واحصل على زوجة).

الواقع أنني عندما قرأت ذلك الإعلان، لا أكذب عليكم أنني فكرت أن أتصل على تلفون تلك الهيئة، ولكنني توقفت عندما تذكرت أنني سوف أحرج لو سألوني: لماذا أنت متصل؟!، فلا أنا من المدخنين ولا أنا كذلك أبحث عن زوجة، وكدت أنسى الموضوع، ولكن حب الاستطلاع عندي لم يترك لي مجالا حتى بالنوم المريح، فما كان مني قبل عدة أيام إلا أن أتصل بأحد المسؤولين بتلك الهيئة، مدعياً أنني مدمن على التدخين وأريدكم أن تساعدوني على تركه وتساعدوني كذلك على الحصول على زوجة معتبرة ـ وهذا هو المهم ـ

ويبدو أن المسؤول قد داخله الشك من نبرة صوتي، فسألني: كم (بكت) أنت تدخن في اليوم؟!، فقلت له: ثلاث بكتات، فقال لي: تعال لنا إذا وصل تدخينك إلى خمس بكتات، ثم قفل الخط بوجهي.

غير أن سؤالي لتلك الهيئة هو: هل لديكم فعلا عرائس جاهزات، وما هي مواصفاتهن، وهل يحق لمن يترك التدخين أن يطلب مواصفات معينة لعروسته، أم أن الهيئة هي التي تفرض عليه العروسة، وهل لو وافق هو وتزوج بها ثم عاد مرة أخرى للتدخين هل سوف تسحب منه الهيئة زوجته؟!

ثم إذا كانت هناك امرأة مدخنة وتريد أن تترك تلك العادة الذميمة، هل الهيئة على استعداد أن تؤمن لها عريساً؟!

إنها أسئلة ما زالت تتقاطر على (نافوخي) كالمطارق، ولم يهدأ لي بال، ولم أحظ بالنوم المريح حتى هذه الساعة.

إنني باختصار لست من أنصار الشاعر الشعبي القائل:

يا ليتني في فم حبيبي سكاره / يمزّني بين الشفاتين وامزّه (*).

ولكنني من أنصار الشاعر الشعبي الآخر القائل:

لا تشرب التتن يا المملوح / يخرب ثناياك يالغالي (**).

(*) السكاره هي: السيجارة.

(**) التتن هو: الدخان أو السجائر، أما (المزّ) فمعروف ولا يحتاج إلى شرح.