أجمل فترات العمر

TT

هل يستطيع أحدكم أن يحدد أجمل فترة في حياته؟! عن نفسي أقول: إنني لم أستطع التحديد، فكل مراحل حياتي التي مضت أعتقد أنها جميلة، حتى الفترات التي شقيت أو بكيت فيها، ولو أنها عادت لعشت فيها بمثل الأسلوب القديم الذي عشته، مع قليل من (الجنون) أكثر.

حياتي الحاضرة لا بأس فيها، ولكن أملي كله مركّز على المستقبل، لأخوض فيه تجربة (ما حصلت)، تجربة (تتحدث بها الركبان)، تجربة لا تنتمي لا لإنس ولا جان، وإني لذلك الغد لمرتقب.

وقرأت في استبيان صحفي عنوانه: «أجمل فترة في حياة الإنسان»، ولفت نظري ما قالته إحدى النساء، وكانت أرملة لتاجر بيض وزبدة وتقول:

إن أجمل سنوات قضيتها في حياتي بدأت بعد محنة خيّل إلي في بادئ الأمر أنني لن أفيق منها، فقد كنت في حياتي الزوجية كعروس من الخزف، أرفل في بحبوحة من الترف والرفاهية ولا أعلم من أمر الدنيا شيئًا، فكان زوجي يدلعني وهو الذي يقوم بتدبير المنزل، كما يعنى بإدارة عمله الناجح، في الوقت الذي كنت أنا فيه أنعم بحياة حلوة خالية من التبعات.

وكان لزوجي شريك، فاختلس رأس مال الشركة ولاذ بالفرار، ومات زوجي غمًا بعد شهر من الحادث، فوجدت نفسي أنا وارثته الجاهلة في تجارة البيض والزبدة أسير في مكتبه المهجور وأضرب كفًا بكف، واقترح علي بعض الأهل والأصدقاء أن أبيع ما تبقى بأي ثمن، إشفاقًا علي من أن أنتهي إلى الإفلاس، غير أن قوة خفية حفزتني إلى العمل، فتهالكت عليه ودرسته بإمعان، وأخذت أزور رجال الأعمال وتجار الجملة وعملاء المحل، وأنا شغوفة بمعرفة كل شيء، ولا أعود إلى منزلي إلا في المساء خائرة القوى من شدة التعب.

وبعد مضي عام كنت لا أزال أرزح تحت عبء الديون، كما خسرت نصف عملائنا القدماء، إلا أنني بدأت آلف العمل وأدرك أسراره.

وبعد ثلاثة أعوام استطعت أن أثبت قدمي وأشق سبيلي، حتى صار ربحي أكثر من ربح زوجي، ونجحت نجاحًا باهرًا ولم أعد عروسًا من الخزف، فكثر عملائي، وازدادت شهيتي للأكل، وازداد نصيبي من النوم، وجعلت أتمادى بالمزاح والضحك أكثر مما كنت أفعل فيما مضى.

وتوجت هذه الفترة الجميلة من حياتي بزواجي من أحد عملائي، وهو يماثلني بالعمر، فكلانا في الخمسين من عمره، وسكن معي في منزلي.

وعندما احتج زوجي الجديد على الصور المعلقة على الحوائط لزوجي الراحل، ما كان مني إلا أن أُخرج الصور من براويزها ثم أحرقها أمامه في المدفأة التي تتقد بالحطب والجمر، ونحن جالسان أمامها نتعانق بين الفينة والأخرى من شدة الغرام.

وملأت البراويز بصور زوجي الجديد وعلقتها مرة ثانية على الحوائط.

وهذه هي أجمل فترة في حياتي ـ انتهى كلامها.

يا ليتني كنت عميلا من عملاء تلك الزوجة.