النكهة التركية

TT

البصمة التركية في منطقة الشرق الأوسط تحولت إلى علامات كاملة لا يمكن إنكارها. وبات «الديوتو» السياسي للرئيس التركي عبد الله غل ورئيس وزرائه رجب أردوغان لديه التأثير والفعالية النافذة لإحداث التغيير وتطوير الأحداث. تركيا دولة واعدة متألقة اقتصاديا ومستقرة سياسيا ومتيقظة أمنيا، تخلت بالتدريج عن عقدة النقص السياسي التي كانت لديها تجاه دول أوروبا تحديدا والغرب عموما، وتوجهت إلى محيطها المباشر سواء كان عمقها الثقافي الطبيعي في جمهوريات آسيا الوسطى التي عاد الفخر لها فيما يتعلق بجذورها التركية بعد خلاصها من الحكم السوفيتي المقيت، أو لمحيطها العربي، وبدأت في تحسين جذري في العلاقات مع سورية والعراق والأردن والسعودية ومصر ودول أخرى، ومن ثم انتقلت بعد ذلك للخطوة الأصعب والأدق وهي ردم هوة العداء والفجوة التاريخية بينها وبين الأرمن بعد أكثر من مائة عام من العداء المقيت وسوء الظن والشك والريبة والقلق الذي لا ينتهي، ونتج عنه مناخ سلبي لا يمكن وصفه. إنجاز تلو الإنجاز مع عدم إغفال التهدئة الكبيرة للتوتر التاريخي بين تركيا واليونان على مناطق متنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط.

تركيا تغيرت واهتمت بالإصلاح والتنمية والتطور وتخلت عن نغمتها السابقة التي كانت تعتقد بأن شعبها أعظم الشعوب وما غير ذلك، وهي نفس النغمة التي جاء بها الناصريون وجمال عبد الناصر والبعثيون وأنطوان سعادة، وانظروا واحكموا أي إنجازات فعلتها التيارات الثلاثة في بلادها والمحيط بها.. مآس وكوارث على أقل تقدير، ومع ذلك هناك وبكل جرأة من لا يزال يصفق ويهلل لهم ويعتقد أنهم هم الأبطال والمنقذون، ويجب عودة نهجهم من جديد. تركيا اهتمت بتزكية الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني، فظهرت كنموذج عملي للحوار بين الأديان والثقافات محققة بشكل عملي إمكانية التعايش بنجاح بين كل الطوائف والمذاهب والأديان، ولم تكتف بذلك بل استطاعت تحقيق قفزات مهولة في معدلات التنمية الصناعية لتنتشر الصناعات والخدمات التركية بنجاح في أنحاء مختلفة حول العالم. واليوم تركيا وبكل فخر هي احد الاقتصاديات العشرين الواعدة في العالم وجزء أساسي من نادي العشرين للاقتصاديات الأهم في العالم. لم تعد تركيا تخشى أخذ المواقف الصعبة كإلغاء التدريب العسكري مع إسرائيل أو منع القوات الأمريكية من استخدام القواعد التركية في غزو العراق، والإعلان بوضوح صريح عن مسؤولية إسرائيل في عرقلة السلام بالشرق الأوسط وإظهار عدوانيتها وإرهاب جيشها بشكل مقزز في مسلسل تركي عام. تركيا اليوم لم تعد مسلسلا مدبلجا أو صحن كباب شهي أو حلاقا جيدا أو ميكانيكيا ماهرا أو إجازة مختلفة، ولكنها قصة نجاح مبهرة لها أسباب ولها أبطال ولها أهداف. هي حتما ليست بلا عيوب ولا نواقص فهناك مشاكل معروفة بالداخل التركي كالمشكلة الكردية والمشكلة العلوية، وكذلك هناك أزمة المياه مع العراق وسورية. ولكن اليوم بالدور التركي الجديد تجسر للتعاون بين سورية والعراق، وإزالة الحدود مع سورية تجنب تركيا هذه المشاكل لتكون جزئية فرعية في ظل التطورات الإيجابية الأخرى. كان صوت التخويف من تركيا دائما ما يأتي من لبنان ومن أقليات فيها مخوفا من الاحتلال التركي للعرب (الظريف أن لبنان تحديدا استبدل بالاحتلال التركي احتلالات فرنسية وبريطانية ومصرية وسورية وفارسية وعراقية وليبية وفلسطينية وغيرها!)، ولكن الحقيقة أن تركيا اليوم هي دولة ناجحة وصديقة ومصدر فخر للكل.

[email protected]