رشوة طالبان بدل محاربتها

TT

ليس سهلا أن يصدق المرء أن بعض القوات المشتركة التي جاءت لتحارب القاعدة وطالبان في أفغانستان، صارت تقوم بتمويلها ماليا!

صحيفة بريطانية تصر على أن لديها ما يكفي من أدلة على قيام القيادة العسكرية الإيطالية في أفغانستان بدفع أموال لجماعة من طالبان في أفغانستان لقاء عدم الاعتداء على قواتها، أي عمليا الإيطاليون يقومون بدعم حركة طالبان لا مقاتلتها. عمل كهذا ينقل الحرب إلى مرحلة جديدة، حيث إن طالبان المحاصرة تكتشف الآن لعبة جديدة، ابتزاز القوات الأضعف في مجموعة الناتو. ستجد الحركة الأفغانية المقاتلة أن الحرب تخلق لها مداخيل جديدة، وحلفاء غير مرئيين لا يمانعون في سيطرتها على أراضيهم، بل وفوق هذا يدفعون لها لقاء ذلك. وربما توسع مثل هذه العادة الكريمة الجديدة دوائر طالبان في مجمع القبائل الأفغانية التي سترى أن الانضمام إلى المقاتلين يعطيها منافع أكثر من الانصياع لقوات الحكومة الأفغانية والقوات المتحالفة معها.

ولو صحت رواية دفع «الخوة» من قبل بعض قوات الناتو لعدوها طالبان، فإن الحل الأمثل هو الخروج من أفغانستان لأن قواعد الحرب تغيرت، ولم يعد هناك مبرر لإرسال قوات تعين طالبان لا تقاتلها. وقد يعني إنهاء وجود مثل هذه القوات إضعاف الصورة العامة للتحالف الذي يحتاج إلى رفع أعلام القوات المشاركة للتأكيد على عالمية الحرب على الإرهاب والقوى المتحالفة معه، مثل طالبان.

في الماضي، في زمن الحرب الأفغانية الأفغانية في التسعينات، كانت السمعة الرائجة عن القوى القبلية الأفغانية المتقاتلة أنها تبدل تحالفاتها وفق علاقات المال والقوة على الأرض، لا علاقات السياسة والايدولوجيا. طبعا تغيرت الحال بعد أن شكل تنظيم القاعدة مفاهيم مختلفة من طرد السوفييت إلى ملاحقة الكفار في أنحاء العالم والقتال من أجل ذلك. صارت طالبان هي جيش التنظيم الأصولي على الأراضي الأفغانية، ولا تزال إلى اليوم تمنحه اللجوء والحماية.

كان يقال إن طالبان ليست الملا عمر، زعيمها قبيل الحرب الأميركية، بل في داخلها وأطرافها جماعات تريد نهاية الحرب وإنهاء التهجير والدمار الذي لحق بمناطقها بسبب علاقتها بتنظيم القاعدة. وكان المأمول أن يفلح النشاط السياسي المحلي في تفكيك هذه الجماعة، التي استطاعت الوقوف على قدميها بعد غياب دام ثلاث سنوات إثر الهزيمة التي لحقت بها في عام 2001 في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. أما لماذا أفلحت طالبان في اختراق حلف الناتو وفرض وجودها وليس العكس، فلا ندري سوى أنها جماعة تقاتل على أرضها. ربما السبب في ميزان القوى الضعيف من جانب الناتو الذي اضطر الإيطاليين، أو غيرهم من القوى المتحالفة، إلى مهادنة طالبان. بحساب الأرقام قوة الناتو العسكرية هائلة، لكنها لن تستطيع تحقيق نصر تقليدي سهل في حرب عصابات وأشباح. ولا أدل من نجاح طالبان سوى قدرتها على الالتحاق بالجماعات المتطرفة في الجوار الباكستاني التي اضطرت الحكومة في إسلام أباد إلى القبول بإمارة وزيرستان قبل ثلاث سنوات، واعتبارها منطقة شبه مستقلة بسبب عجز القوات الحكومية عن السيطرة عليها.

[email protected]