كيف ها المرسيدس؟

TT

مَن الذي أنهى الشيوعية العام 1989؟ هل كانت تلك نهاية الاتحاد السوفياتي أم نهاية الفكر الماركسي؟ هل بدأ الانهيار في بولندا، عندما حصدت حركة «تضامن» جميع مقاعد البرلمان ذلك العام، أم في تشيكوسلوفاكيا مع «ربيع براغ» قبل عقدين. أم في «ثورة المجر» قبل ذلك بثلاثين عاماً؟ أم أن كل شيء بدأ في المؤتمر العشرين للحزب في موسكو عندما راح نيكيتا خروشوف يفكك إرث ستالين جثة جثة؟

الأرجح، بدأ كل شيء مع خروشوف. بدل تمجيد الرعب والهتاف للجلاد طلب من الحزبيين أن يخفوا ضريحه ويخجلوا بذكراه. ميخائيل غورباتشوف لم يدرك أنه عندما فتح النافذة للنسيم كان تجمع الريح قد تحول إلى عاصفة. لكن ثبت بعد عشرين عاماً أن الذي انتهى ليس الاتحاد السوفياتي بل إن الشيوعية قد انقرضت. فعندما سقط المعسكر الشرقي لم يحل «الحمائم» محل «الصقور» أو المعتدلون ضد المتطرفين، بل إن الشيوعيين من عسكر وقدامى ومنظّرين خلعوا ثياب الحزب وقبعته وانخفض عدد ملايين الأعضاء إلى شراذم وفلول. وعندما وقعت الأزمة الرأسمالية الكبرى قبل أشهر لم تخرج أي تظاهرة في أي مكان في العالم تطالب بالعودة إلى النظام الشيوعي. وفيما بقيت الاشتراكية قائمة كأنظمة وأحزاب، كان انقراض الشيوعية كاملا إلا من بقايا مضحكة. والذين استحوا أن ينقلبوا إلى انتسابات أخرى، تحولوا إلى ديناصورات مضحكة. فصحيفة الحزب الشيوعية في بريطانيا صارت من أربع صفحات تهتم بسباق الخيل، وصحيفة الحزب في فرنسا صغرت حجم الصفحات إلى حجم دفتر مدرسي وقللت عددها إلى حجم صحف القرى والبلدات في المناسبات الريفية.

الظاهرة الكبرى لم تكن هرولة الشيوعيين بل ذوبان الشيوعية. لقد تصرف الملايين من دعاتها وكأنها لقيط لا يريد أحد الإقرار به. خطأ فادح لن يتكرر. ولم يعد ستالين وحده موضوع الندم والمرحلة التي يجب أن تغسل بل سبعين عاماً وسبعين نظاماً وسبعين مليون ضحية وحياة ومأساة داستها الأقدام في المعسكرات والحقول والبيوت دون رفة جفن.

لم يبقَ للشيوعية نفسها سوى الدكتور أنور عبد الملك وصديقي كريم مروة والرئيس القبرصي الحالي الرفيق ديمتريس كريستوفاس وقد أصبح هو رئيساً لكن قبرص لم تصبح شيوعية بالطبع. وكنا، الرفيق الرئيس وأنا، نتجاور في مبنى واحد في نيقوسيا. وكانت سمعته مضحكة لأنه شيوعي يأتي إلى مكتبه بسيارة مرسيدس. وكانت لديّ سيارة مشابهة اشتريتها بعشرة آلاف دولار اقترضتها من الصديق زياد بابيل. وقد أثارت سيارتي اهتمام المخابرات العربية المعروفة بحرصها على الأمانة والدقة. وقد شرفت مرة بالتعرف إلى أحد رموزها، وبدل أن يسألني كيف الحال قال ملمحاً مغمزاً إلى الثروات: «كيف هاالمرسيدس»؟