لماذا نهتم كلنا بأفغانستان؟

TT

لقد عدت لتوي من أفغانستان حيث شاهدت بنفسي التحديات التي نواجهها بينما يخوض الشعب الأفغاني الأبيّ، ومعه المجتمع الدولي، قتالا ضد المتمردين أملا في تهيئة حياة أكثر أمنا. إنه قتال لا بد وأن ننتصر فيه، إذ إن عليه يتوقف أمن وسلامة جميع الأمم.

لهذا السبب قبلت بأن أنضم إلى وزير الدفاع، بوب إينزويرث، في زيارته هذه، لأصبح بالتالي أول وزير داخلية بريطاني يزور المنطقة. ولا يمكن الفصل أبدا بين الحملة الجارية في أفغانستان وأمن العالم عموما. فمستقبل سلامة الشعب الأفغاني يرتبط ارتباطا وثيقا بسلامتنا جميعا مستقبلا. وما من شك في أنه تم إحراز تقدم. وقد التقيت بحاكم ولاية هيلماند، مانغال، في لاشكار غاه واستمعت منه لما يبذله من جهد، وخصوصا فيما يتعلق بضبط الأمن ومكافحة المخدرات، وهي مسائل تقع ضمن مسؤولية وزارتي. فمن التجارة بالمخدرات يتم تمويل المتطرفين الذين يسعون لفرض آرائهم، وهم الأقلية، على الآخرين جميعا، ويستغلون المستضعفين ويواصلون زعزعة الاستقرار كي يتحكموا بالسلطة. إلا أن التعاون ما بين الحاكم مانغال وسكان الولاية يهيئ الفرصة للمزارعين الأفغان كي يعيدوا هيلماند من جديد لتكون بمثابة سلة خبز أفغانستان.

وما من أحد يزور أفغانستان إلا ويعجب بالتاريخ العريق والغني لهذه البلاد، وإباء وعزم شعبها. وقد عززت زيارتي من قناعتي بأن على المجتمع الدولي أن يستمر في جهوده لدعم شعب أفغانستان حتى يبني مستقبلا أفضل لبلده. فإذا فعلنا ذلك، فإننا سنحول دون أن تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا للإرهابيين الذين يهددوننا جميعا.

يتطلب ذلك وجودا دوليا لبعض الوقت، إلى أن تستطيع أفغانستان الوقوف على قدميها. ولا تُعرف الآن حدود زمنية أكيدة لانسحاب القوات البريطانية وغيرها من القوات. ولكننا سننسحب طبعا حين يتمكن الأفغان أنفسهم من توفير الأمن الذي يحتاجون، والذي يعتبر ضروريا لمستقبل أفغانستان. ولقد اقترح غوردن براون أخيرا تسريع الجهود لزيادة أعداد وقدرات قوات الشرطة والجيش الأفغانية من خلال قدرٍ أكبر من الشراكة. وناقشتُ مع زميلي بوب إينزويرث، خلال زيارتنا المشتركة، سبل تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع بالتعاون مع شركائنا الأفغان.

ويعتبر الدور الذي يجب على الأفغان أن يلعبوه هم أنفسهم في الشهور والسنوات المقبلة عنصرا مهما في السياسة البريطانية. فأفغانستان ليست نوعا من «المستعمرة» الغربية، ولن تكون كذلك في أي يوم من الأيام. وعليه فإن الحكومة والشعب الأفغانيين هم من يجب أن يتولوا زمام الأمر في بناء أفغانستان أفضل.

ولربما كان شيئا حتميا أن تركز وسائل الإعلام على المناحي العسكرية للجهود الدولية في أفغانستان. والواقع أن هذه الجهود مهمة وقد بدأت تؤتي ثمارها. فعملية «مخلب الفهد» مثلا أخرجت طالبان من شريط كامل من الأراضي في إقليم هيلماند. وهناك أمثلة أخرى على مثل هذه الأنباء السارَّة، فقد تحدثت قناة «الجزيرة» أخيرا عما تبذله حاكمة ولاية باميان من جهود لإعادة بناء منطقتها التي سبق لحركة طالبان أن دمرت فيها اثنين من تماثيل بوذا الأثرية خلال الأيام الحالكات في عام 2001. إن قيام طالبان بمثل هذه الأفعال، إلى جانب استهداف الأفغان الأبرياء، كالاعتداء على المدارس، هو ما أقنع الأغلبية العظمى من الأفغان برفض عودة طالبان إلى الحكم. فهم كغيرهم من شعوب الأرض يريدون فرص العمل والمدارس لأبنائهم والعيش بعيدا عن الضغوط والترهيب. ولهذا السبب، فإن بريطانيا ومعها قوات الأمن الأفغانية وقوات التحالف المشكلة من إحدى وأربعين دولة من بينها الإمارات العربية المتحدة والأردن والبوسنة والهرسك، ستواصل كلها مواجهة عناصر طالبان التي ترفض الدستور الأفغاني وتتبنى العنف. وإذ نعرف أن طالبان ليست منظمة متجانسة فإننا نؤيد مساعي الحكومة الأفغانية الرامية إلى استمالة واحتضان أولئك المتمردين المستعدين للانضمام إلى العملية السياسية والراغبين في مستقبل سلمي. وسنواصل في الوقت ذاته دعم جهود الحكومة الأفغانية لبناء بلادها من جديد، علما بأن تقدما حقيقيا قد تحقق: فهناك اليوم سبعة ملايين من التلاميذ في المدارس مقارنة بمليون واحد فقط في عام 2001، كما أن ثلث هؤلاء التلاميذ من الإناث؛ ويتلقى أكثر من ثمانين في المائة من الأفغان خدمات صحية أساسية هذه الأيام مقارنة بـ 10% فقط في عام 2003. أما زراعة الخشخاش المخدر فقد تقلصت العام الماضي بنسبة تزيد على 20%.

ولكن يتبقى الكثير طبعا. ومن هنا تحتاج أفغانستان إلى المساعدة من أصدقائها، كبريطانيا. وسنستمر نحن في تمويل المشاريع التي تحسِّن الوضع على الأرض، كدعمنا للمجالس التي اختار السكان المحليون من خلالها نحو 47000 مشروع لتحسين المياه والطرق والصحة والتعليم في مناطق سكناهم. وإلى جانب ذلك تدعم المملكة المتحدة مشروعي بنى تحتية كبيرين في إقليم هيلماند، هما طريق لاشكر غاه ـ غيريشك، وترميم محطة كهرباء بمدينة غيريشك ذاتها.

إن التحدي أمامنا هو متابعة ما أُحرز من تقدم حتى الآن. ولا بدّ أيضا أن نكون واقعيين؛ إذ بعد ثلاثين سنة من الحروب وعدم الاستقرار، باتت أفغانستان واحدة من أفقر دول العالم، تتفشى فيها الأمية والبنى التحتية الرديئة والمؤسسات الضعيفة. ومن هنا دعا غوردن براون أخيرا إلى عقد مؤتمر لاحقا هذه السنة يحضره الأفغان وحلفاؤهم الدوليون لضمان أن يكون عام 2010 عام تقدم حقيقي على الأصعدة الرئيسة الثلاثة التي تهم معظم الشعب الأفغاني، وهي: الأمن والحكم الصالح والتنمية.

وهنا يأتي السؤال: لماذا نهتم بأفغانستان؟ والجواب هو: إن شعبها يستحق مستقبلا أفضل. وهي مهمة لنا طبعا لأن من واجبنا أن نحول دون تحولها مرة أخرى إلى ملاذ آمن للإرهابيين الذين قتلوا مدنيين أبرياء في لندن وإسطنبول، وفي الرياض والدار البيضاء. ولا بد أن تقوم استراتيجيتنا على تمكين حكومة وشعب أفغانستان من السيطرة على مقاليد الأمور، وتقديم ما يحتاجون إليه من دعم والتزام. فإذا ما فعلنا ذلك فإن بإمكاننا أن ننتصر ولسوف ننتصر.

* وزير الداخلية البريطاني

خاص بـ«الشرق الأوسط»