هل يعد المالكي لانقلاب عسكري؟

TT

من يراقب تصرفات المالكي يلاحظ اهتمامه في مجال القوات المسلحة وأجهزة الأمن، لسببين، هما: نظرة طائفية ضيقة لمنع وصول العرب السنة إلى الجيش، وسبق أن أرسلت إليه رسالة اختبار، وأقول اختبار لمعرفتي الدقيقة بتوجهاته، بتعيين عدد محدود من كبار الشخصيات العسكرية من الشريحة التي تشعر بالغبن. وثبت عدم جدوى الملاحظات، لاعتقاده أن الفرصة تاريخية، ومحاولته فرض سيطرة حزبه (الصغير) على هذه المؤسسات.

تلقيت رسالة من أحد القادة العسكريين تتضمن قائمة بأسماء كبار الضباط الذين أعيد تعيينهم في الجيش الحالي، تمثل واقعاً شاذاً، وبعيدة عما يوصف بالمصالحة والوحدة الوطنية. وعندما يقال إن المالكي عطّل قانون المساءلة والعدالة فإنما قام بذلك ليتسنى له اختيار من يريد من الضباط وليس بغاية التسامح. وكنت دائما أقول: المهم أنه مضطر لإعادة أكبر عدد من الضباط للمساعدة في فرض الأمن، ولما كانت خلفية هؤلاء وطنية وحرفية، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية، فإن مردهم في النتيجة إلى وطنهم على أساس التقاليد العسكرية التي تجبل عليها الجيوش الوطنية أو هكذا المفترض.

وحاول المالكي بوصفه قائداً عاماً للقوات المسلحة، فرض سيطرة على تحركات وإعادة تنظيم الجيش إلى حد التدخل في التنقلات الفرعية، التي يفترض أن تترك صلاحياتها للقادة والآمرين، ويمارس ذلك من خلال مكتب القائد العام الذي تفرض عليه سيطرة مصبوغة بطائفية داكنة.

وفي مجال المخابرات كان هذا الجهاز مغلقاً، نسبياً، تجاه التغلغل الإيراني، لأنه كان بإشراف أميركي، واستُقطب للعمل فيه عدد من ضباط المخابرات السابقين، إلا أن المحاصصة دخلته حديثاً. وبعد خروج رئيسه الشهواني فرضت سيطرة مكتب رئيس الوزراء عليه. ويحاول المالكي السيطرة المباشرة على نحو ثمانية أجهزة أمنية. وأظن أن بوسع السفير الإيراني الآن زيارة مبنى ودوائر جهاز المخابرات.

القوات العسكرية والأمنية كبيرة للغاية، وما يحدث من هجمات مسلحة يعطي دليلا على الصراع السياسي، والشعور بالغبن، وتداخل الصلاحيات، وتغلغل الميليشيات، وفقدان الثقة، وفساد لا مثيل له، وكثرة الاعتقالات التي تنفذها الدولة ضد شرائح محددة، وهذه عوامل لا تساعد على مجابهة القوى الخارجة على القانون.

احتمالات فشل المالكي في الانتخابات القادمة كبيرة وربما محتملة، إن لم يحصل شيء آخر. لأن حكومته أثبتت فشلا ذريعاً في كل المجالات واستشرى الفساد في ظلها، والرقص للتحسن الأمني أصبحت نغماته معروفة بأنها ليست مالكية. ولم تعد الدعايات غير الصادقة تنطلي على العراقيين. قد لا يستوعب المالكي الفشل، لأنه يعرضه إلى ما هو أبعد من المساءلات، ويقوض أحلام جعل الفريق الدعوي حاكماً لحقبة طويلة. ويرى كثير من السياسيين أنه ربما يلجأ إلى تحريك القوات المسلحة للسيطرة على الوضع وفق سيناريو تخيلي لمؤامرات مزعومة. لكنه سيرتكب خطأ فادحاً إذا ما لجأ إلى هذا التصرف، لأنه خيار محكوم عليه بالفشل لأسباب عديدة. فكثير من منتسبي القوات المسلحة يتبعون أحزاباً أخرى وانخرطوا عن طريقها في التشكيلات والمؤسسات العسكرية والأمنية ضمن خطط دمج الميليشيات، وليسوا مستعدين لتنفيذ مشروع على حساب أحزابهم. كما يدرك قادة الجيش أن عملا كهذا ليس مخلا بالدستور فحسب، بل يؤدي بالبلد إلى كارثة التصادم والحرب الأهلية، وبالتالي يلقى من يتجاوب مع الانقلاب حساباً عسيراً.

والأهم من ذلك، أن كميات السلاح الموجودة لدى عموم العراقيين لا تزال ضخمة والأحزاب تحتفظ بميليشياتها بطريقة وأخرى، والجماعات المسلحة في الوسط يمكن أن تعيد نشاطاتها بسرعة، وعندئذ يستحيل على المالكي السيطرة على الوضع، وستضطر القوات الأميركية إلى التدخل لغير مصلحته.

كان مفترضاً منذ بداية التغيير، جعل القوات المسلحة وكذلك القضاء جهازين مستقلين عن (كل) مؤسسات الدولة، إلى أن تستقر النفوس، وليس أن توضع تحت هيمنة وسيطرة حزب جُبل على أحادية التفكير.

قال كثير من المروجين عن المالكي ما قالوا. أما الحقيقة التي أعرفها عنه فإنه لا يمتلك القدرة على اتخاذ قرار بفرض وجوده بالقوة ولو خُيل له ذلك وزُين. وليس ممكناً، قطعاً، تحريك الجيوش للسيطرة على مدن بالقوة لتمرير مشروع مرفوض بصفة طائفية أو مناطقية أو عنصرية، مهما بلغ حجم القوة المتاح، وعندما تكون القرارات شرعية ومتفقاً عليها فلا حاجة لحركة الجيوش.