وسواس إسرائيل

TT

في تقديمه للتقرير الثاني لمنتدى الإصلاح في مكتبة الإسكندرية انتقد مدير المكتبة إسماعيل سراج الدين، وفقا لما نقلته عنه وكالات الأنباء قبل أيام ما شخصه بأحادية النظر بشكل وسواسي لمسألة إسرائيل لدى النخب العربية وكأن العالم يقوم ويقعد على قضية إسرائيل، ورغم تأكيده بأن قضية إسرائيل مهمة جدا، لكن هناك قضايا أخرى مهمة لا تحظى بالنقاش لأن الأولى تستأثر به.

والتقرير نفسه يضع إصبعه على المعضلة التي تواجهها مجتمعات المنطقة، فقد تراجعت قضية الإصلاح لمصلحة القضايا العربية التقليدية، خاصة العراق وفلسطين، وعملية الإصلاح تسير في المشهد العربي خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.

وإذا طرح سؤال افتراضي هو: لو لم يكن هناك تحدي حل القضية الفلسطينية التي تسعى المنطقة منذ أكثر من 4 عقود لإيجاد حل لها مرات بالحروب ومرات أخرى بالتفاوض، هل كان المشهد سيتغير، أي إن وتيرة الإصلاح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ستكون أسرع؟ الإجابة في علم الغيب لأن هناك قضايا أخرى أيضا عويصة تشكل تحديا لعملية التحديث والإصلاح، وإن كان من المؤكد أن المجتمعات تتقدم أسرع وبشكل طبيعي في أوقات السلم، وتكون حريتها وقدرتها على المناقشة والاختلاف وإحداث تغييرات أعلى عندما لا تكون أمامها تحديات خارجية شديدة لأمنها.

لكن في الحالة الإسرائيلية، ومراوحة جهود حل القضية الفلسطينية خطوة إلى الأمام ثم خطوتين أو أكثر إلى الخلف، وما يولده ذلك من مشاعر إحباط أصبحت هناك حالة مرضية فكرية وسواسية مصاحبة لها، فالكثير من المشاكل التي قد لا يكون لها علاقة بأزمة الشرق الأوسط، يظهر دائما نمط من التفكير في أن إسرائيل أو اللوبي المؤيد لها وراء هذه المشكلة أو تلك المؤامرة، وينطبق ذلك على قضايا لها ارتباط بمصالح المنطقة دوليا أو حتى في قضايا محلية، بما يصبغ هالة غير واقعية من القدرات. وقد يكون لهذا تفسيره في أن المشاكل الأخرى الإقليمية ربطت بشكل أو آخر بإسرائيل، فصدام حسين حينما غزا الكويت أقحم القضية الفلسطينية في تبرير الغزو لتقديم غطاء ديماغوجي للشارع، وحاليا تتقاطع بشكل أو آخر قضايا إيران والعراق والمياه إلى آخره بإسرائيل، ويمتد ذلك إلى قضية الإصلاح نفسها في الجدل المصاحب لها بين النخب السياسية والفكرية إلى درجة استخدام سلاح الاتهامات بتنفيذ أجندات خارجية تخدم إسرائيل أو التطبيع ليطغى ذلك على مضمون الأفكار وصحية مناخ النقاش، وما إذا كانت هذه الأفكار صالحة أم لا في ضوء الواقع المحلي. ويمكن الزيادة على ذلك بأن مرض الفكر الوسواسي هذا تعدى مسألة إسرائيل إلى رؤية العالم من خلاله على أن كل شيء فيه مؤامرة أو تربص بينما يجري تجاهل أن العلاقات الدولية تحكمها المصالح وقدرات الأمم وموازين القوى بينها.

كما يجري تجاهل أن الأولويات العالمية مختلفة عن أولوياتنا، فلا أحد يفكر في نصف الكرة الشمالي أو الشرقي في آسيا ليل نهار في مشاكل الشرق الأوسط، إلا بقدر ما تمسه هذه المشاكل في مصالحه.

وإذا عدنا إلى مسألة الإصلاح أو عملية التحديث بمفهومها الشامل سنجد أنها المدخل لحل الكثير من المشاكل الداخلية والتحديات الخارجية، والكثير من الدول نجحت فيها رغم المشاكل والأزمات السياسية، مثل الهند والصين. ونجاح التحديث هو الذي يعزز الشعور بالثقة والتفاؤل بالمستقبل ويحسن وزن دول في التعاملات وعلى الخريطة الدولية.