يا رجل!

TT

للأسف الشديد تحول تقرير غولدستون إلى ورقة تَكسُب للشعبية الزائفة، وتسجيل النقاط السياسية، حيث تستغله دول، وجماعات، ووسائل إعلام، وصحافيون، وأبرزهم الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، الذي ذهب بعيدا في انتقاد حركة فتح، والسلطة.

فقد أقسم هيكل قائلا إنه لو كان يعلم بأن تقرير غولدستون سيؤجل لما قام بتعريف عرفات على عبد الناصر. وبحسب ما نشرته صحيفة «الدستور» المصرية نقلا عن قناة «الجزيرة» فإن هيكل يقول: «أنا من ذهب بياسر عرفات إلى الرئيس عبد الناصر، وفتح أصبحت أمراً آخر.. والله لو كنت أتصور فقط في أحلامي أن الأمور يمكن أن تصل لهذه الدرجة والله ما كنت أخذته ولا تحركت».

يا رجل.. لهذه الدرجة وصل الانتفاخ الصحافي والسياسي، ولهذه الدرجة بلغ الاستغلال المفرط للقضية؟ أهكذا تختزل الأمور، وتبسط، ويصبح التاريخ خادما للأنا؟

بل الطريف أن هيكل يقول عن تقرير غولدستون إنه «غير عادي لأنه في ظرف غير عادي»، والسؤال متى كان ظرف منطقتنا عاديا، أولسنا مبتلين منذ ما لا يقل عن مائة عام بالانقلابات، والاغتيالات، والنكسات، والحروب التي كبدتنا الخسائر تلو الأخرى؟ أولسنا مبتلين بجماعات تقوض دولنا من الداخل خدمة لأجندات خارجية؟ فهل سبق أن رأينا شعبا تحت الاحتلال، وتقوم حركة من حركاته بانقلاب عسكري على غرار ما فعلته حماس في غزة؟

فإذا كان هيكل قد ندم على تقديم عرفات إلى عبد الناصر بسبب تقرير غولدستون، الذي لا يعدو أن يكون جولة قانونية من ضمن جولات في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فماذا عن ما فعله عرفات في بيروت، وقبلها الأردن، وموقفه من احتلال العراق للكويت، بل ماذا عن عرفات أوسلو، وهو الاتفاق الذي يعد مفصلا في تاريخ الصراع مع إسرائيل؟

المشكلة مع هيكل ليست مشكلة اختلاف وجهات نظر، وإنما مع مدرسة صحافية بالية، لا تقوم على نقل الوقائع، من دون المشاركة فيها، أو إظهار الأنا المتعظمة؛ فتلك المدرسة البالية من الصحافة تعود نجومها على مرحلة «الله يا ست»، حيث ينتظر الصحافي من قرائه أن يقولوا له «الله يا أستاذ»، وهذا أمر يتطلب جيلا جديدا من الصحافيين من أجل معالجته.

وخير وصف لمدرسة «الأنا» الصحافية، التي ابتليت بها منطقتنا وصحافتنا، هو ما احتوته إحدى الوثائق البريطانية (مرجع 765/39 FCO) والتي تصف محمد حسنين هيكل، بأنه صحافي «ينشر كل ما يسمعه، أو ما يعتقد أنه سمعه»، أي من دون مراعاة لأصول المهنة أو ما يعرف بأنه ألف باء الصحافة وهو: حديث للنشر، أو حديث للنشر من دون ذكر المصدر، أو حديث للاطلاع والفهم من دون النشر إطلاقا، وهي مسألة أفردت لها كتب، وتضمنتها معظم كتب الأسلوب (الاستايل) الخاصة بالصحف العالمية كتعاليم واضحة للصحافيين العاملين في الصحيفة، لأنها من الأمور التي تراعى في محاكم النشر، سواء في بريطانيا أو أميركا، وقبل كل ذلك للمحافظة على سمعة الصحافي والصحيفة، واحتراما للمصدر. ولذا نجد أن الوثيقة البريطانية المذكورة تصف هيكل بأنه «لا يوثق به دائما كصحافي»، فهل نزيد على ذلك؟

[email protected]