رئيس الخدم

TT

كان إلى جانب الرئيس الأميركي رونالد ريغان في منصب «رئيس أركان البيت الأبيض» رجل يدعى دونالد ريغان. وقد أثار هذا الكثير من الكلام حول دوره ومدى تأثيره على الرئيس. وعرضت أشرطة تصوره وهو يهمس في أذن ريغان خلال الخطب ويلقنه أو يصحح له ما يجب أن يقول. وحارت الصحف العربية في تفسير موقع رئيس الأركان وصلاحيات الموقع أو الرجل. وخيل إلى بعضها أن «رئيس الأركان» صفة يحملها فقط رؤساء أركان الجيوش. وتولت إحدى صحف الخليج البارزة التقدم بالصفة الحقيقية: «رئيس الخدم»؟! وأعجبتها الفكرة فصارت تستخدمها باستمرار، وبتلذذ واضح. وساعدها في ذلك أن الناس تستمتع بكل نقد لأميركا والإدارة الأميركية، فلم يعترض أحد على «النكتة» ولا طالب أحد بأن يشرح له معنى «رئيس الأركان». فغدا يذهب رونالد ودونالد، وتبقى السياسة الدولية، ويبقى دور أميركا اليومي فيها.. بماذا نعرّف هذا الموقع؟

قدمت المسألة كنموذج في محاضرة حول الدقة في الصحافة والدقة في الترجمة. وقلت إن جميع قراء الصحيفة في تلك المرحلة ـ وهي محترمة وموثوقة غالبا ـ رسخ في أذهانهم مصطلح «رئيس الخدم». واعتبروا أن موقعه ثانوي وشغله تأمين الحفلات والمآدب والتأكد من نوعية الحمص. وبالتالي فإن دونالد ريغان كان يتجاوز صلاحياته ومسؤولياته ويتطفل على حكم الرئيس.

الحقيقة أن رئيس «الأركان» في البيت الأبيض هو «رئيس» الجميع إلا الرئيس. لا أحد يدخل عليه دون موافقته. وهو الذي يرسم معظم نشاطات الرئيس وجدول أعماله. وهو، في معظم الحالات، الجزء الآخر من عقله. ولا يستطيع وزير، حتى الخارجية، أي الثاني في الإدارة، أن يقابل الرئيس دون موافقة رئيس الأركان. إنه منصب مستحدث حتى في الولايات المتحدة. وهو غير وارد في أي نص دستوري. لكن منذ دونالد ريغان، رئيس الخدم، ثم جيمس بيكر الذي أصبح لاحقا وزيرا للخارجية وظل عقل جورج بوش وحارس برنامجه اليومي، صارت للمنصب أهمية تفوق أهمية وفعالية الكثير من المناصب الحكومية. في أي حال أصبحت المناصب غير الحكومية في واشنطن، من مستشارين يحيطون بالرئيس، أكثر أهمية من حقائب الوزارة.

النموذج الثاني الذي قدمته كان في الصحافة الأدبية. فقد كان شاعر لبناني راحل كلما وقع على نص ورد فيه اسم الفيلسوفة الألمانية حنة ارندت، يذكرها، بلقبها بالفيلسوف. وذلك لأن اسمها بالافرنجية يكتب HANNAH أو حنا. والحقيقة أنها السيدة حنة، مع تاء التأنيث للتشديد، وقد كانت، فيما كانت، خليلة الفيلسوف هيدغر، ودخلت عالم الصحافة الغربية عندما كلفت تغطية محاكمة أدولف إيخمان، وهي تغطية عادت فصدرت في كتاب بعنوان «سخافة» أو «تسخيف» الشر. وعثرت على «حنة» مذكرة غير مؤنثة في غير ترجمة صادرة عن دور محترمة. وفي الحالتين، لا هذا رئيس للخدم ولا هذه فيلسوف.