همس المقابر

TT

في يقيني سيظل موضوع خروج بني إسرائيل من مصر مثار جدل بين العلماء والباحثين إلى يوم يبعثون.. وإلى أن تلوح في الأفق أدلة وبراهين أثرية جديدة تضيف جديدا أو ربما تحسمه تماما.. أما في ظل ما هو متوافر الآن أمام علماء التاريخ والآثار فنحن لا نملك سوى التمسك بالاعتدال والحذر..

ولكن هناك همس خفي يدور بين العلماء، بل والعامة بعد الكشف عن مقبرة المدعو «عبر ـ إر» أو «عبريا» بمنطقة سقارة الأثرية التي كشف عنها الأثري الفرنسي ألان زيفي أسفل استراحة كبار الزوار بسقارة في المنطقة المعروفة باسم «ببان القطط»، وقد جاء الاسم بعد العثور على مومياوات آلاف من القطط مدفونة في هذا المكان، والمعروف أن المصريين القدماء كان من ضمن معبوداتهم الإلهة «باستت» والتي تمثل برأس القطة، وكان مركز عبادتها منطقة تل بسطة حاليا بالزقازيق، وقد جاء الاسم الحديث «بسطة» من الاسم «باستت».

وقد عثر زيفي على هذه المقبرة ونزل إلى أعماق كبيرة إلى أن وصل إلى حجرة دفن منحوتة في الصخر أكثر من 30م، واضطر زيفي إلى الاستعانة بالمهندسين الفرنسيين الذين كانوا يعملون في مشروع مترو أنفاق القاهرة لمساعدته في إيجاد حل لترميم المقبرة وتدعيم جدرانها لكي يستطيع الوصول إلى حجرة الدفن، وهو ما تم له ليكشف عن أول مقبرة شبه كاملة من الدولة الحديثة بمنطقة سقارة.

لقد غطى اسم صاحب المقبرة على أخبار الكشف الأثري المهم الذي حدث منذ أكثر من عشرين عاما، والسبب هو أن قراءة الاسم «عبريا»، وأحيانا يقرأونه «عابر إيل» هو اسم عبراني ربما لموظف متمصر كان يعمل وزيرا لكل من الملك «أمنحتب الثالث» وابنه الملك «اخناتون» أول من توجه لعبادة الإله الواحد وقوته تمثل في قرص الشمس.

المهم؛ فقد استمرت أعمال الحفائر والكشف عن هذه المقبرة قرابة عشر سنوات منذ عام 1980 وحتى نهاية عام 1989، وكان ضمن ما عثر عليه العديد من اللوحات التي سجل عليها لقب «الأب الإلهي للمعبود آتون بمنف». بالإضافة إلى لقب آخر وهو «الكاهن» أو «الخادم الأول للرب آتون بمنف»، أي انه كان الكاهن الأكبر، وكبير كهنة «آتون» في منطقة منف أيام حكم الملك «اخناتون».

وبالطبع آثار خبر الكشف عن مقبرة عبراني متمصر العديد من الأسئلة والجدل بين علماء الآثار فيما يختص بوجود معبد آتوني في منطقة منف من عدمه، حيث إن وجود ألقاب مثل التي أشرنا إليها سابقا تؤكد على وجود معبد آتوني في منف على غير ما كان الباحثون يؤكدون عليه وهو عدم انتشار عبادة التوحيد خارج حدود منطقة تل العمارنة بمصر الوسطى، وهي المدينة التي اختارها «اخناتون» لكي يقيم فيها هو وعائلته، وقد أقسم «اخناتون» على اللوحات التي تحدد حدود المدينة على عدم الخروج منها ما دام حيا، وأطلق عليها اسم «آخت آتون» أي «المدينة الوفية والمخلصة لآتون»!

ليس هذا فقط، بل إن جدلا طويلا بين علماء التوراة وبين علماء الآثار قد دار ولا يزال حول نتيجة الاسم العبراني لصاحب المقبرة وهو ما يعطي انطباعا بوجود عبرانيين في مصر في زمن الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية، بل وشغل بعضهم مناصب مهمة في الدولة الفرعونية بعد تمصرهم. من المهم أن نؤكد أن كل الآثار التي عثر عليها داخل مقبرة «عبريا»، بل والتوابيت والمومياوات ونقوش المقبرة قد أعدت على الطريقة المصرية القديمة والأسلوب المصري الخالص، حتى مناظر «عبريا» وملابسه والحُلي التي يتزين بها كلها مصرية الطراز... هذه هي الحقيقة.. والحقيقة وحدها!

www.zahihawass.com