ما أحوجنا إلى المالديف

TT

للوهلة الأولى بدا وكأنه مشهد من فيلم وثائقي عن البحار لكن سريعا ما تبين أن هؤلاء الغاطسين والقاعدين في قعر البحر هم وزراء ورجال دولة. لا شك كانت فكرة ذكية غير مسبوقة وصورا تشكل إنذارا لمن لا يزال يشعر أنه غير معني بقضية تغير المناخ وفي بلادنا هم كثر للأسف..

إنه مشهد اجتماع حكومة جزر المالديف الذي عقد تحت الماء بهدف إبراز الخطر الذي يحيط بهذا الأرخبيل الصغير في المحيط الهندي جراء ارتفاع حرارة الأرض.

مناقشات أفراد الحكومة التي ارتدى أفرادها ملابس الغطس والمؤتمر الصحافي غير التقليدي وإن بدت مشاهد مدروسة ومركبة لكنها وجدت مكانا بارزا لها في جميع وسائل الإعلام العالمية.

كيف يمكن لبلد قد لا نجد اسمه في خريطة عادية للعالم أن يوضح مدى التهديد الذي يواجهه في حال استمرت حرارة الأرض في الارتفاع وبالتالي علا منسوب المياه ما يعني إمحاء الأرخبيل بكامله! السؤال الصعب دفع إلى اجتراح تلك الفكرة المائية الخلاقة. فصور الاجتماع الذي استغرق قرابة الشهرين من التحضير حققت الغاية منها وهي بعث رسالة قوية على مشارف قمة دولية ستعقد في كوبنهاغن في شهر ديسمبر المقبل يؤمل أن تقرّ فيه معاهدة مناخية جديدة.

الدول الصغيرة والنامية (ونحن في صلبها) مهددة فعليا وليس مجازيا إذا استمرت حرارة الأرض في الارتفاع، ولا يبدو أن النضج على المستويات السياسية والاجتماعية والإعلامية بلغ مرحلة استيعاب فداحة المشكلة.

بموازاة اجتماع حكومة المالديف تحت الماء، عمد ناشط لبناني إلى إنشاء غرفة زجاجية شفافة على كورنيش المنارة في بيروت وأقام فيها لثلاثة أيام لاختبار مختلف تأثيرات تغير المناخ وما يعيشه سكان الأرض الذين يتعرضون لفيضانات وأعاصير مفاجئة. عمد هذا الناشط خلال تجربته إلى التواصل مع الآخرين عبر الإنترنت لنقل تجربة أثر تغير المناخ في حرارة قصوى حين تترافق مع نقص الغذاء..

كثر متابعو تجربة هذا الشاب باستخفاف، ومعظم التعليقات على خبر تجربته عبر الإنترنت كانت ساخرة متهكمة لم تعر أي اهتمام للرسالة التي حاول إيصالها. التعليقات التبسيطية هذه شملت حتى اجتماع حكومة المالديف، مع العلم أن التغير المناخي يهدد الاقتصاديات العربية ومستوى عيش مواطنيها على نحو خطير لا يحتمل هذا التراخي والمزاح..

المشكلة هي أننا لا نزال نتعامل مع البيئة بصفتها ترفا أو عنصرا مكملا في المشهد العام وليس جزءا عضويا فيها.

التغير المناخي حدث بدأ يلح على العالم، لكنه ما زال عاجزا عن تصدر مقدمة أولوياتنا سواء في الإعلام أو في السياسة والتنمية. ما قامت به حكومة المالديف نجح في إثارة غريزة استغرابنا وليس في إحياء وعي بمأزق التغير المناخي. الخطوة كانت نجاحا لها لكنها لم تمثل درسا لنا في ضرورة تقديم هذا الكابوس القادم إلى كوكبنا. ربما يصبح الأمر ملحا علينا بعد فوات الأوان شأن معظم قضايانا التي أجلت إلى ما بعد فوات الأوان.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام