أربعون وردة

TT

احتفلنا، مي وأنا، بمرور أربعين عاما على زواجنا. أربعة عقود بين يوم كنت في الثامنة والعشرين وبين الرجل الذي هو أنا اليوم. تقول العرب مسيرة، بمعنى السيرة، وفي مسيرة أربعين عاما، كانت مي في هذه الشراكة، هي شريك الهدوء والتروي والتفهم والسماح.

عندما كبر ابني وابنتي قليلا قلت لهما: إذا شعرت يوما أن أحدكما يحبني أكثر مما يحب أمه، فمعنى ذلك أن في العائلة خللا هائلا. لكن الأمومة منتصرة في العائلة على نحو مبهج للأب. فأنا وسيع القلب وضيق الصدر، مملوء بالمشاعر ولكن أيضا بالهموم، بي أمل كثير، وقلق متعدد، ثقيل، ومرضي. زوجتي عالمها العائلة، ومواعيد الفطور واليقظة، ومواعيد الأقساط والتأمين الصحي، وأنا إنسان خرب، مليء بالعقد، لا أزال أعتقد أن بين همومي كشمير والشرق الأوسط وعدد الجياع في العالم وخروج أهل كوريا الشمالية إلى عصر الرغيف والشبع، بدل الصواريخ الثقيلة الدم.

كل يوم تزداد زوجتي انضواء على بيتها. لا تسمع شيئا من نشرة الأخبار سوى الطقس، لكي تعرف أي ثياب يجب أن ترتدي ابنتها في الغد. أما أنا فأسمع أخبار تشكيلة الحكومة اللبنانية وأصدقها وأزداد حزنا وقلقا واضطرابا ثم أطلب من طبيب العائلة أن يعدل لي أدوية الضغط والسكري والأعصاب. أو ما بقي منها.

زوجتي هي الطمأنينة والشجاعة في البيت. وأنا الخوف. تحفظنا فردا فردا. وتحرسنا على طريقتها. وفيما نثور أو نضطرب أو نضيع، تحمل مصباحها في الليل أو في النهار وتدلنا على أقرب ميناء في بحور الحياة. كم أرمي على كتفيها من أحمال النهار. كم أشكو لها خيبات العمر وأثقال العمر. وكم يحمل كتفها من شكاوى.

لا أذكر، في أربعين عاما، أنها طلبت لنفسها شيئا. لا أذكر أنها تحدثت يوما عن عقد تملكه صديقتها أو خاتم في واجهة أو هدية في مناسبة. بعثت إليها بأربعين وردة حمراء من عند البائع الذي قدم لنا زهور العرس. وقلنا لابني وابنتي إنهما ماستا الزواج الذي ظل عقدا متجددا من الياسمين، جوهرته في قلبه.

تجاوزنا معا هموما كثيرة وصعوبات عدة. وسافرنا في الأرض مترحلين ومهاجري حرب وأزمات وفورات في بلد مصاب بعلة الاضطراب. ولم تسألني مرة لماذا نسافر. وتنقلنا في بيوت ومدن كثيرة. وشردتنا الأيام برا وبحرا وجوا. وبقيت هي الميناء الوحيد.