من لا شيخ له!

TT

امشِ ورائي إلى أعمق أعماقي نبحث معا عن بذرة كانت.. أو الصفات الوراثية لمفكر. لسبب لا أعرفه التصقت في ذهني عبارة تقول: من لا شيخ له فشيخه الشيطان. أين وجدتها؟ ولماذا بقيت في دماغي؟ ومن الذي أعطاها حق الإقامة؟ وهى فكرة غريبة. ولم أعرف في ذلك الوقت.

وقد كانت لي مذكرات طويلة وكثيرة نسيتها وتركتها وعدت إليها فوجدتها تافهة.. لا قيمة لها. وتمنيت لو أنني أحرقها تقليدا لبعض كبار المفكرين الذين أيقنوا في مرحلة من حياتهم بأن الدنيا تافهة.. وأن دورهم فيها تافه، فأوصوا بإحراق مؤلفاتهم. وكانت مذكراتي تدور حول مدرس الفلسفة. فقد كنت معجبا به ولم أفرق بين الذي يقوله وبين الذي ينقله إلينا من أفكار الفلاسفة.

الآن عرفت المعنى. المعنى أنني كنت أحاول أن أجعل منه شيخا لي.. حتى لا يكون شيخي الشيطان. ولكن وجدته يدخن ويضحك بصوت مرتفع.. وصدمني. مع أن هذا طبيعي. ولكن الصورة التي في خيالي تختلف. فلا يمكن أن يكون شيخي هكذا.

إذن شيخنا هو إمام المسجد. فصيح.. نثره جميل وشعره أيضا. وهو صديق لوالدي. وكنت أحشر نفسي بين الجالسين. ووجدت أن أبي يتكلم كثيرا. ويحكي حكايات أجمل. وأحيانا وهو يتكلم، ينظر ناحيتي. وأحيانا يضع يده على كتفي. ولا أعرف المعنى. وكنت سعيدا بأن يستمع الناس إلى أبي ويفضلونه على شيخ المسجد الذي تصورت أنه شيخنا، فهو مؤذن ويؤمنا في الصلاة.. وهو الذي يخطب فينا يوم الجمعة. والناس تلتف حوله. إذن هو شيخ هؤلاء الناس. وليس شيخي.. فليس فيه الصفات التي أراها ضرورية لواحد لا أعرفه يجب أن يكون فوق إمامنا. مثل من؟ ليس له مثيل. لماذا؟ لا أعرف. فلست قادرا بما لدي من علم قليل أن أرسم له صورة أو أنحت له تمثالا.. ليس بعد!