هل تنسحب أميركا من أفغانستان لإنقاذ باكستان؟

TT

هل قررت الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان من أجل إنقاذ باكستان النووية؟ وهل يمكنها ذلك بعدما اختلطت كل الأوراق في المنطقة لتشمل إيران وقد تمتد إلى الهند؟

منذ أكثر من سنة، وأميركا ترغب في توسيع الحرب نحو باكستان. هي ضغطت على إسلام أباد لتقوم بعملية «سوات»، وتتحرك في هذا الاتجاه منذ أن عينت واشنطن المبعوث الخاص ريتشارد هولبروك لتولي ملفي: أفغانستان ـ باكستان. الهجوم الكبير على جنوب وزيرستان الذي بدأ يوم السبت الماضي، وصفه المحللون بأنه «أم كل الصراعات الإقليمية»، بدأ بعد عدد من العمليات الإرهابية التي انطلقت من حزب السفارة الهندية في كابول، ثم تلته هجمات إرهابية في روالبندي وبيشاور ولاهور في باكستان.

رافقت هذه العمليات هجمات أخري شنها الجهاديون على قواعد الحلف الأطلسي في مقاطعات: خوست، باكنيا، وباكتيكا، جنوب شرق باكستان، وهذه «أجبرت» الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال على سحب كل القوات من المناطق المعزولة والبعيدة، ونقلها إلى أماكن آهلة بالسكان. هذا الإجراء أوجد مناطق واسعة لـ«طالبان» ليتحركوا بحرية، بمعنى أنه تحت ضغط عملية جنوب وزيرستان فإن الجهاديين يستطيعون الانتقال إلى هناك.

أمران حدثا مع الانشغال بباكستان التي كان من المفروض أن تجذب كل تركيز الأطراف المعنية:

الأول، اعتقاد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بأن أميركا المهتمة بباكستان لن يكون لديها الوقت للانشغال بمسألة رئاسته رغم التزوير الذي ارتكب في أثناء الاقتراع. لكن، قد يكون أساء التقدير وأعطى الأميركيين حجة إضافية للتفكير باستراتيجية خروج من أفغانستان، التي وصفها السفير البريطاني السابق في واشنطن السير دايفيد ماير بأنها دولة هامشية لا تستحق الدماء والكلفة.

الأمر الثاني، العملية الإرهابية التي أقدم عليها «جند الله» في بلوشستان إيران وأسفرت عن مقتل ستة من قادة «الحرس الثوري»، إضافة إلى 37 شخصا آخر. وعلى أثرها استدعت الخارجية الإيرانية دبلوماسيا كبيرا في السفارة الباكستانية في طهران لتبلغه أن لديها أدلة بأن الفاعلين إنما أتوا من باكستان.

قبل عدة أشهر، توقعت «القاعدة» أن الولايات المتحدة ستقنع باكستان والهند بالانضمام إليها علنا في الحرب ضد «طالبان» و«القاعدة» ومجموعات جهادية أخرى، كما توقعت أن تفوز بموافقة إيران للتعاون، والهدف عزل الجهاديين جغرافيا للقضاء عليهم، أو لتفتتيهم. لذلك، حسب مصدر أمني كبير، خطط قادة «القاعدة» لاحتلال ممر استراتيجي يمتد من مقاطعة «نانغارهار» في أفغانستان، مرورا بممر خيبر وصولا إلى «بلوشستان» باكستان ومنها إلى «بلوشستان» إيران. في السابق لم تكن «القاعدة» تثق بمجموعة «جند الله»، لكن قتال بعض المتطرفين السنّة من بلوشستان باكستان إلى جانب رجالها غيَّر نظرة «القاعدة» لها. ثم إن لـ«القاعدة» أهدافا تتطلع إلى تحقيقها عبر التعاون مع «جند الله».

يضيف المصدر الأمني: إن لـ«جند الله» هدفا محددا وهو زعزعة النظام الشيعي في إيران، أما «القاعدة» فإنها تهدف إلى أمرين من وراء اتفاقها مع هذه المجموعة: أن تعطل العمل في مرفأ «شاباهار» الإيراني الذي قد تستعمله قوات حلف الأطلسي في نقل معدتها إلى أفغانستان، لأن الطريق الحالية من مرفأ كراتشي في باكستان صار يتعرض لهجمات «طالبان»، كذلك ترغب «القاعدة» في توفير حضور لها في إيران للقيام بعمليات من أجل إيجاد توازن استراتيجي ضد الدور الإيراني في أفغانستان والعراق.

وفي العملية الأخيرة، أقدمت باكستان لأول مرة على نقل ثقلها العسكري (30 ألفا على الجبهة و30 ألفا احتياط) من الحدود مع الهند إلى الحدود مع أفغانستان. هذا التطور يجعل الهند من جهة تلتقي مع أهداف الولايات المتحدة بضرورة محاربة الإرهاب في باكستان، ومن جهة أخرى يجعلها عرضة لهجمات إرهابية.

ولأن الهجوم العسكري يتم الإعداد له منذ فترة، وأدى بالتالي إلى وقوع العدد الكبير من العمليات الإرهابية، أظهر قسم منها تواطؤا ما بين المهاجمين وعناصر من الاستخبارات والجيش، خصوصا في الهجوم على مقر قيادة الجيش الباكستاني في روالبندي، كما أدى بالرجل الثالث في «القاعدة» محمد الكشميري الذي اعتقدت واشنطن أنه قضى بإحدى غارات طائرات «الدرونز» إلى الظهور، وإعطاء تحليله عما يجري. قال: «لم يعد للحلف الأطلسي في أفغانستان أي مغزى أو أهمية. لقد خسر الحرب، وبعد إدراك قادته للهزيمة وضعوا مفهوما جديدا هو أن المعركة بأكملها يتم خوضها من خارج أفغانستان، أي من وزيرستان الجنوبية والشمالية»، وأضاف: «في الواقع، كان فخ أفغانستان ناجحا، والأهداف العسكرية الأساسية على أرض أفغانستان تحققت».

قبل أن تشن هجومها على جنوب وزيرستان توصلت المؤسسة العسكرية الباكستانية إلى وقف لإطلاق النار مع أمراء حرب نافذين من «طالبان» في جنوب وزيرستان، تشن شبكاتهم هجمات على قوات التحالف داخل أفغانستان. هؤلاء وعدوا بالوقوف على الحياد، الأمر الذي ترك قبيلة محسود ومقاتلين من الأوزبيك والعرب والبنجاب يواجهون الجيش مع «طالبان». حكيم الله محسود، الذي قرر عدم التركيز على الدفاع عن منطقة قبيلته، ويهدف، إذا استطاع، الاستمرار في شن عمليات في كل باكستان.

في اليوم الثالث للمعارك، قال الجنرال رشيد قريشي الناطق السابق للجيش زمن الرئيس الجنرال برويز مشرف: «إن سبب الهجوم هو أن (القاعدة) استمرت بتدريب المقاتلين من (طالبان) في وزيرستان. وكما هزمناهم في (سوات) سنهزمهم في جنوب وزيرستان إذا ظلت الحكومة ملتزمة». وأضاف: «إن مقر (القاعدة) الرئيسي في جنوب وزيرستان. إذا تغلبنا عليهم كان المكان الوحيد الذي يمكن لمن يبقى على قيد الحياة الهرب إليه هو أفغانستان، المشكلة أن الحدود بيننا وبين أفغانستان تحتاج إلى تسوير وزرع ألغام على طولها، لكن الحكومة الأفغانية ترفض هذا الاقتراح، ولا نعرف لماذا لا تضغط عليها واشنطن كي توافق».

بالهجوم على جنوب وزيرستان قرر الجيش الباكستاني القيام بمغامرة كبيرة جدا. فهو لن يستطيع القضاء نهائيا على خطر الإرهاب، إلا أنه في هذا الهجوم لا يمكنه التراجع، ففي السابق نجح المقاتلون في الاستفادة من العمليات التي قام بها الجيش، وتوقفت عبر «صفقات» درج المجتمع القبلي هناك على عقدها. هو قد يضطر إلى تدمير قرى بأكملها ليسود، مع ما يتطلب ذلك من قتل جماعي، لأن معركة طويلة الأجل قد تؤدي إلى أزمة سياسية تضعف دولة باكستان ومؤسساتها، خصوصا أن الإرهاب ليس فقط في جنوب وشمال وزيرستان، فقد تحولت البنجاب إلى محور رئيسي آخر لـ«طالبان» باكستان.

المنطقة هناك على فوهة بركان. وقبل الهجوم الأخير كتب أحد كبار المعلقين الباكستانيين: «يهدف الإرهابيون إلى الإطاحة بالحكومة واغتيال المؤسسة الحاكمة وإقامة دولة إسلامية والسيطرة على السلاح النووي».

هل لكل هذا، ستفضل واشنطن إنقاذ باكستان وترك أفغانستان لحامد كرزاي؟

*أود أن أوضح أنني لست «هدي الحسيني» من مجلة «الشراع» اللبنانية، التي أدانتها محكمة المطبوعات في بيروت، يوم الجمعة الماضي في موضوع «قدح وذم وتحقير في حق وزير الاتصالات اللبناني المهندس

جبران باسيل».