التوتر التركي ـ الإسرائيلي.. كيف ستتصرف واشنطن؟

TT

أميركا غير راضية حتما على التأزم الأخير في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب أهم وأكبر حليفين إقليميين لها في المنطقة وهي ستتحرك عاجلا أم آجلا للتوسط والمطالبة بهدنة فورية تقطع الطريق على المزيد من التصعيد والتوتر فهي بغنى عن ملفات إقليمية أخرى تزيد سخونة الأجواء وتطيح بجهودها وتقلل من قيمة أسباب منح جائزة نوبل للرئيس الأميركي باراك أوباما.

حكومة نتنياهو أعلنت أخيرا أنها قادرة على كسب الود والدعم الأميركي إلى جانبها في خلافها هذا مع تركيا، لأن أنقرة هي التي تتعمد افتعال المشكلات والأزمات وتضخيم الأمور ومحاولة لعب أوراق لا تعنيها مباشرة، لكنها تتمسك باستثمارها سياسيا لصالح تحسين مواقعها ونفوذها الإقليمي، كما حدث في دافوس قبل أشهر، وكما تحاول أن تفعل من خلال إرجاء المناورات الجوية المشتركة في قونيا والتدخل في شأن إسرائيلي داخلي بحت يتعلق بمشروعات الإعمار أو الإصلاح في القدس القديمة أو من خلال التأثير على الرأي العام العربي والإسلامي بالترويج لمشاهد تلفزيونية تستهدف إسرائيل علنا كما حدث أخيرا في مسلسل «الافتراق».

تركيا تصر من جانبها على أن التدهور الحاصل في العلاقات بين الجانبين تتحمل مسؤوليته إسرائيل أولا وآخرا، فهي رغم أكثر من محاولة لإقناع تل أبيب بتغيير نهجها وأسلوبها في التعامل مع العديد من الملفات الإقليمية ورغم إعلان استعدادها لبدء أكثر من وساطة وتحرك يقود إلى التقارب بين تل أبيب والعديد من العواصم العربية والإسلامية فإنها رجحت خيار التحدي والاستفزاز وتفجير علاقاتها ليس مع العديد من الدول العربية التي قبلت إقامة السلام معها بل استهداف أنقرة مباشرة في محاولة لقطع الطريق على التمدد والانتشار التركي الإقليمي الأخير.

ما فجر العلاقات بين البلدين هو أكثر من مسلسل تلفزيوني أو مناورات أُرجئت أو التراجع المتواصل في صورة إسرائيل التركية التي تحمّل حكومة نتنياهو أردوغان المسؤولية المباشرة فيها. إسرائيل غاضبة لأن أنقرة حرمتها الكثير من الأوراق والملفات الإقليمية التي كانت تلوّح بها وتحاول استخدامها للتهديد أو الابتزاز أو الحصول على تنازلات سياسية وأمنية سواء في علاقاتها مع الأتراك أو في مسائل تهم تركيا وتطال حساباتها ومصالحها الإقليمية. إسرائيل خططت وفشلت على خلاف تركي ـ سوري بعد الاختراق المقصود للأجواء التركية خلال مهاجمة أهداف سورية قبل عامين تقريبا وهي والأهم من كل ذلك راهنت وفشلت على افتعال أزمة 28 شباط جديدة في تركيا بتفجير العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحكومة تعيدها هي وبقوة إلى لعبة التوازنات الداخلية التركية كما حدث في السابق عندما حصلت على العديد من العقود الأمنية والعسكرية والاتفاقيات الاستراتيجية التي عززت نفوذها في البلاد.

ما يزعج إسرائيل ويقلقها تحديدا هو نجاح حكومة العدالة في إطلاق سياسة تصالحية جديدة مع دول الجوار حول أزمات مزمنة كانت تل أبيب تعتبر نفسها بوابة الحل فيها. ويكفي الإشارة هنا مثلا إلى رغبة تركيا في تحريك الرماد تحت ملفات ساخنة مزمنة مثل المسائل الكردية أو الأرمنية أو القبرصية لنعرف أكثر فأكثر حجم الغضبة وردة الفعل الإسرائيلية التي رفضت حتى الساعة تسليم صفقة طائرات الرصد والاستطلاع إلى الجيش التركي الذي ظل ينتظر الإفراج عنها لأشهر طويلة.. إسرائيل منزعجة بإيجاز من الصعود التركي الإقليمي تماما بالقدر الذي يزعج إيران التي بدأت ترى هي الأخرى أن مصالحها وحساباتها في العراق ولبنان وسوريا بدأت تهتز وتتراجع لصالح أنقرة بالدرجة الأولى.

وتبقى الاستفسارات والتساؤلات حول ما ستفعله واشنطن في الأيام المقبلة حيال ما يجري وهل سترجح الكفة الإسرائيلية مفرطة بإعلان أنقرة أكثر من مرة استعدادها لقيادة حوار مباشر أو غير مباشر بين الغرب وإيران في الملف النووي؟ هل ستتجاهل إدارة البيت الأبيض الدور التركي الأخير في تقريب وجهات النظر بين سوريا والغرب في التعامل مع أكثر من قضية يتقدمها طبعا الملف اللبناني وإطلاق دمشق لسياسة لبنانية أكثر انفتاحا واعتدالا بعد قرار تبادل السفراء واعتماد سياسة أكثر ليونة ومرونة في التعامل مع موضوع الأزمة الحكومية؟ هل ستتغاضى أميركا عن العرقلة الإسرائيلية لحملاتها الأخيرة باتجاه الشرق الأوسط وإفشال تل أبيب المقصود لزيارات مبعوثها جورج ميتشل والإصرار على وضع العصي في دواليب العجلة الأميركية التي وعد أوباما أن تكون مسرعة في حمل السلام والاستقرار إلى المنطقة؟ هل ستتنكر حكومة أوباما للجهود التركية التي بُذلت في أكثر من مكان، رغم خطورتها وانعكاساتها السلبية على حكومة العدالة والتنمية في موضوع المصالحة الفلسطينية الفلسطينية والعراقية العراقية والانفتاح على قيادات شمال العراق برغبة أميركية بالدرجة الأولى تخفف الضغوطات الإقليمية عن واشنطن وتعيد الحياة إلى منطقة شمال العراق؟

رغم أن قناعتنا الدائمة هي أن التوتر في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بين الحين والآخر لن يصل إلى حد القطيعة، فلا أنقرة ولا تل أبيب على استعداد للمغامرة بجرات المياه في خصومة تقود إلى المشاجرة، وأن كل ما في الأمر هو التنافس بينهما على إقناع واشنطن بصوابية ما يطرحه ويفعله كل طرف، فإن خسارة إسرائيل وفوز تركيا على رقعة الشطرنج هذه سيقودها إلى التفكير الجدي بتحسين علاقاتها مع إيران والتخلي عن لغة الحرب معها في محاولة لاسترداد النقاط الاستراتيجية التي فقدتها والتي يصر البعض على أنه خيال إلى أن تَحدّث عنه وزير الخارجية الروسي أخيرا فهل يكون هو الآخر في حلم اليقظة؟

* كاتب وأكاديمي تركي