في الوطنية..

TT

يدور حوار في السعودية وفي أروقة مختلفة، للتعليق ومحاولة فهم ما قاله الشيخ صالح الحصين في محاضرة أخيرة عن الوطنية والمواطنة وأن هذه «الفكرة» ممكن أن تحمل تطرفا وتخرج عن تعاليم الإسلام، وبالتالي يجب الحذر منها. ولو جاءت هذه الفكرة من شخصية عادية لما أثارت الاهتمام وأجبرت الناس على تدبرها ومحاولة فهم مغزاها، ولكنها تأتي من شخصية مهمة ولها مكانتها وتقديرها واحترامها في الأوساط المختلفة، والمقصود تحديدا هنا الشيخ صالح الحصين بترؤسه حلقات الحوار الوطني المختلفة. وما طرحه الشيخ الحصين مهم للرد على بعض الأصوات. فالنازية التي أطلقها أدولف هتلر في يوم من الأيام كانت فكرة وطنية في المقام الأول، وكذلك الصهيونية والفاشية في إيطاليا وإسبانيا واليابان، وهناك حركات فاشية باسم الوطنية لم تصل للحكم في فرنسا وإنجلترا والحزب الهندوسي المتطرف في الهند مارس «وطنية» بأشكال فجة على الناس. ولكن الوطنية في حال دولة فتية كالمملكة العربية السعودية هي مسألة حيوية لأنها «غراء» يجعل التماسك ممكنا لمختلف المنتمين لهذا الكيان الكبير المتعدد الثقافات والهويات.

وإذا كان الشيخ صالح الحصين حذر من استخدام الناس «مواطنتهم» للتعدي على الغير من مقيمين في هذه البلاد مما يعد تجاوزا للتعاليم الإسلامية، وهو محق في ذلك بالكامل، فاته أن يقول أيضا إن هناك البعض من المواطنين يتعدون على إخوانهم من المواطنين ويعاملونهم كمواطنين من الدرجة الثانية فيحرمونهم من حقهم الشرعي في العمل والعلم والتدريب والتأهيل وحتى الزواج. المواطنة هي عهد بين الناس ودولتهم لهم احترام الحقوق وعليهم تنفيذ الواجبات بالعدل والتساوي للعيش بكرامة وعزة، وعندما يحدث الخلل تحدث النتائج السلبية التي يخشاها الكل، ومن المفروغ منه أن الدولة السعودية بكيانها المعروف بنيت على أساس الحكم بالدين، ولكن هناك تفاصيل يجب أن تسن وتوضح حتى لا يترك هذا التفسير المطاطي لأهواء الناس بمختلف نواياهم فتحدث الاختراقات المسببة للفتن والمشاكل. قد يكون معنى الوطنية عند البعض هو شركة للدواجن أو شركة توزيع مطبوعات، ولكن عند الحكماء والعقلاء هي شراكة لإرساء قيم وتعاليم ومبادئ ومعان للتواصل بين الوطن والمواطن، فيها حفظ للحق وصون للواجب، وهكذا تبنى الأمم وتنشأ الأوطان ومتى ما اختل دور طرف كانت النتيجة لا مبالاة أو مفسدة وفي الحالتين هذه لعمري خسارة لا يتحمل تكاليفها أي عاقل. الوطنية للسعودية ليست خيارا بل هي طريق مصيري حتى يكون ما يجمعهم يتخطى أوراقا وعلما، ولكنْ روح وعقد ومسؤولية وعهد تتجسد فيه كافة أوجه حياتهم اليومية وتبدأ من الصغر ولا تنتهي إلا بالموت، ولكي يتحقق ذلك مطلوب من كل طرف ممارسة دوره بأمانة وأن يكون قابلا للمحاسبة في حال القصور في أداء مهمته.

[email protected]