صدع بين الحلفاء القدامى

TT

أحد الألغاز المحيرة هذا العام أن التأييد الأولي واسع النطاق من جانب الشركات الأميركية لجهود إصلاح نظام الرعاية الصحية لم يترجم إلى أكثر من مجرد حفنة أصوات من جانب الجمهوريين داخل مجلسي النواب والشيوخ.

وجرت العادة على أنه عندما يقرر مجتمع الشركات التجارية رغبته في إقرار أمر ما في واشنطن، كان الجمهوريون يسارعون إلى الإنصات والاستجابة. المعروف أن حصة كبيرة من التمويلات التي يحصل عليها الحزب الجمهوري تأتي من قطاع الشركات. والواضح أن فلسفة الجمهوريين تخلق تناغما بينهم وبين من يعيشون في خضم عالم يقوم على التنافس داخل السوق.

عندما بدأ الجدال الذي شهده العام الحالي حول الرعاية الصحية، كان هناك كثير من الأسباب الداعية للاعتقاد بأن كثيرا من الشركات التجارية تخلت عن معسكر المعارضة الذي عاون في إفشال إصلاحات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون التي طرحت عامي 1993 و1994. خلال السنوات التالية، تفاقمت تكاليف التأمين الصحي على كاهل الشركات، وكذلك الأفراد، بمعدل أسرع بكثير من التضخم، ما أجبر كثيرا من الشركات على تقليص مستوى التغطية التأمينية للعاملين لديها، بل والتخلي عنها تماما في بعض الأحيان. واشتكت شركات السيارات وكثير من الشركات الأخرى من أنها تخسر مكانتها التنافسية على صعيد المبيعات لصالح منافسين أجانب لا يتحملون عبء تكاليف التأمين الصحي. من ناحيته، أدرك البيت الأبيض بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه الفرصة وعمد إلى استغلالها عبر التواصل مع مجتمع الشركات التجارية، حيث عقد اتفاقات مع شركات دوائية وأطباء.

على امتداد الأيام القليلة الماضية، حثت شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري، أمثال زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ، بيل فريست، وحاكم ويسكونسن ووزير الصحة والخدمات الإنسانية السابق، تومي ثومبسون، وحاكم كاليفورنيا، آرنولد شوارزنيغر، حزبهم على مساندة نهج الإصلاح، بدلا من الرضا بالوضع القائم. إلا أن الرأي الأكثر شيوعا داخل ما سمعته يأتي من عضو الحزب الجمهوري بولاية ميسوري، روي بلنت، حيث قال: «لم تكن هناك أي ضغوط حقيقية من قبل الشركات» لدفع تشريع إصلاح الرعاية الصحية قدما. وأضاف أن «القادة (الديمقراطيين) في مجلسي النواب والشيوخ قالوا إنهم غير ملزمين بأية اتفاقات أبرمها البيت الأبيض».

من جهته، قال عضو الحزب الجمهوري من ميتشغن، فريد أوبتون: «لم أتعرض لأي جهود ضغط» من قبل أي من الشركات التجارية المناصرة لإصلاح الرعاية الصحية. وأضاف: «إنهم منشغلون بالعجوزات والديون». يذكر أن أوبتون يتميز بتوجهات معتدلة وتربطه صلات وثيقة بقطاع الشركات التجارية.

على الجانب الآخر، يطرح ممارسو جهود الضغط أمثال رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض في عهد إدارة ريغان، كين دبرستاين، وعضو مجلس النواب السابق، فين ويبر، وكارين إغناغني، التي تمثل جهات التأمين المعنية بالرعاية الصحية، أسبابا متنوعة للصدع بين قطاع الشركات التجارية والحزب الجمهوري. قال ويبر ودبرستاين إنهما سمعا أعضاء بالكونغرس من الجمهوريين يعربون عن نفورهم إزاء المجموعات التجارية التي أبرمت اتفاقات مع أوباما. أما إغناغني فأعربت عن اعتقادها بأن أعدادا متزايدة من المسؤولين التنفيذيين بالشركات التجارية باتوا أكثر حذرا حيال تحمل تكاليف الخطط الديمقراطية.

من ناحيتهم، قال المتحدثون الرسميون باسم «بيزنس راوندتيبل» و«لجنة التنمية الاقتصادية»، وهما مجموعتان تمثلان شركات تجارية سبق أن دعتا للإصلاح، إن كثيرا من العناصر الأخرى داخل القطاع التجاري يساورها القلق حيال تكاليف البرنامج المقترح. ويرفض آخرون من حيث المبدأ تكليف جهات التوظيف بتوفير تأمين أو الأفراد بشرائه.

أوضح أحد أعضاء جماعات الضغط المعنية بالمستهلكين والمؤيدة للإصلاحات أن الجمهوريين «ما زالوا يذكرون كيف أن هزيمة مقترح إصلاح الرعاية الصحية الذي تقدم به كلينتون مهدت الساحة لسيطرتهم على الكونغرس عام 1994. ويخوضون مغامرة الآن على أمل أن يعيد التاريخ نفسه». إذن ليس هناك عامل واحد فحسب، لتفسير التباين بين مواقف كثير من عناصر القطاع التجاري وأعضاء الحزب الجمهوري. الواضح أن بعض الجماعات التجارية المؤيدة للإصلاحات راجعت موقفها بعدما باتت صورة التشريع المقترح أكثر وضوحا.

ويرفض الجمهوريون داخل الكونغرس وجهات نظر الجهات التجارية المؤيدة للإصلاح، وذلك بسبب؛ إما شعورهم بالازدراء حيال حلفائهم السابقين الذين أبرموا اتفاقات مع الديمقراطيين، أو لعقدهم رأيهم على أن الرفض فحسب، ربما يعود عليهم بمكاسب سياسية أكبر.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»