سؤال لجوج غريب

TT

سافرت إلى الأمم المتحدة لتغطية دورات الجمعية العمومية، عاما بعد عام. وأول شروط الصحافة، أو «التغطية» هو أن تطرح الأسئلة، وأن تنتقل بين السياسيين والدبلوماسيين، وأن تسابق زملاءك، وأن ترفع صوتك، وأن تكرر السؤال ثم تلح ثم تلج. ثم أكثر. وكنت فاشلا في «التغطية». فقد اخترت ركنا من «قاعة المندوبين» وجلست فيه. يوما بعد يوم. ومن كان له شيء يقوله لي أسمعه وأنقله. والباقي كنت أحصل عليه من محاضر الجلسات والمكتب الصحافي وأرشيف المنظمة. أما الأسئلة فلم أطرحها. فالدبلوماسيون العرب ثلاث فئات: الأولى لا يعرف أهلها شيئا وهم يميلون إلى تغطية الجهل بادعاء الصمت. والثانية لذوي نصف معرفة ونصف جهل، وهذه تفيد أصحابها في مواقعهم لكنها لا تفيد الصحافة. والفئة الثالثة تضم أولئك الذين يخبرونك عما قرأوه في الصحف منذ أسبوع، وها هم يهمسونه في أذنك اليوم مع تحذير ورجاء والتماس: «أرجوك. ليس عن لساني».

بقيت طوال السنين أو الفصول التي أمضيتها في الأمم المتحدة، لا أطرح سؤالا إلا عن الصحة العامة. وهذا مناهض للقواعد الصحافية في بدائياتها. ولكن الفشل في عدم طرح الأسئلة كان أسهل وقعا من جواب عبقري، أو من الشكوك التي تدور في رأس من تسأل: لماذا يريد هذا معرفة متى يصل رئيس الدولة ومن يضم الوفد؟ هل هو جزء من المؤامرة أم طرف فيها؟

أعود إلى سنوات الأمم المتحدة برضا ومحبة. كانت لي هناك فرصة التعرف إلى شخصيات عربية تاريخية. والحصة الأكبر للمصريين: الدكتور عصمت عبد المجيد والدكتور عمرو موسى والدكتور بطرس غالي. وكنت في رفقة شبه دائمة مع مندوب الكويت، الأستاذ عبد الله بشارة. ورافقت فيما بعد معلمي وأستاذي غسان تويني عندما أصبح سفير لبنان. وقابلت غير مرة السنيور دوكويار وأركان أمانته، دائما بسعي وتوصية من الأمين المساعد الصديق سمير صنبر.

لا أذكر أنني طرحت على مسؤول أو صديق أو قريب سؤالا أعرف أنه قد لا يريد الجواب عليه. وهذا الصباح يطرح عليَّ أحد الأصدقاء أسئلة قد لا أطرحها على ابني. وخالطني شعور غريب: ماذا يفيد هذا الرجل أن يعرف؟ ماذا لو كنت أنا من يطرح عليه هذه الأسئلة؟ أين هو الفارق بين الفضول والوقاحة؟