.. وليلتها لم أنم!

TT

ثم هذا الزلزال. أحد زملائي في المدرسة يكتب مقالات تنشرها مجلة «الرسالة» مثل العقاد وطه حسين وسعيد العريان وسيد قطب. ومع ذلك هو تلميذ بليد. وأنا أول الفصل. كيف لا أعرف لهذا الموقف تفسيرا؟ ويجيء إلى المدرسة في سيارة. ويرتدي بدلة أنيقة وطربوشا أحمر قاتما. وكل يوم يرتدي بدله. كثيرون يؤكدون ذلك. ويؤكدون أنه يلبس جزمة في لون البدلة. شيء عجيب!

وكنت أفتعل أية مناسبة لكي أقف إلى جواره. أتأمله. مش فاهم. وسرت معه في الشارع عائدين إلى البيت. وبيته قريب من المدرسة ومع ذلك يركب سيارة، ثم دعاني إلى بيته.

في البيت دفء غريب. هل الألوان هي الدافئة.. أم الجدران؟ ليس في بيتنا دفء. وقال لي: أفرجك على البيت. البيت فرجة. يعني البيت فيه أكثر من غرفة. هذه غرفة نومه. ينام فيها وحده. وهذا مكتبه. غرفة مكتب وهنا يكتب مقالاته. الإضاءة مريحة. والمكتب عجيب. نظيف. وعليه كتب. والكتب منسقة. والورق أبيض. غرفة خاصة للنوم، وغرفة خاصة للمكتب. ومررنا على غرفة راح يدقها بأصابعه. يستأذن. وجاء صوت رقيق: تفضل يا ابني.. إنها أمه..وقفت. إنها في صحة جيدة. صافحتنا. وقال لها: أنيس.. الأول بتاع المدرسة يا ماما!

لم أسمع الكلام بوضوح. هل هو خفيض جدا.. أم أنني في غمرة الدهشة لم أسمع شيئا؟ غرفة نوم وحده. ومكتب وحده. وأمه غرفة نوم وحدها وفى صحة جيدة..

لعلك لاحظت أنني وصفت أمه بأنها في صحة جيدة أكثر من مرة. ولذلك سبب جوهري سوف تعرفه فيما بعد..

بمنتهى الصراحة لم أنم تلك الليلة. هل هو أرق؟ هل هو قلق؟ هل هي صدمة؟ هل هي بوادر حمى. رعشة. ضيق. ذهول؟ غرفة ينام فيها وحده.. وغرفة يذاكر فيها وحده. وإذا أراد أن يرى أمه يدق بابها ويستأذن في الدخول. ومع ذلك ليس أول الفصل. ويكتب في مجلة «الرسالة» بينما ولا واحد من المدرسين يكتب في المجلة عظيمة الاحترام مثل عظماء الأدب والفكر والنقد؟!

يعنى إيه؟ هل له شيخ لا نعرفه؟ هل هو شيخ لتلامذة لا نعرفهم؟!