عودة الشيخ إلى صباه!

TT

وقع في يدي أثناء زيارة إلى إحدى العواصم العربية كتيب يحوي مستحضرات «خبير أعشاب» لا يترك مرضا على سطح الكوكب إلا وجد له علاجا، ولو صدق ذلك «الخبير» سيصبح بإمكان كل فرد إجراء «عَمرة» يعود بعدها على «الزيرو» ليتحدى الأعوام من جديد، فلديه كريم مضاد للشيخوخة وإزالة التجاعيد لو دهن شيخ بها جلده عاد إلى صباه، ولديه كريم لتبييض الوجه، وكأن ذلك الخبير قد علم أن ثمة وجوها كثيرة تحتاج إلى تبييض على نحو تبييض الأموال، وتضم القائمة أيضا مستحضرات لإزالة السمنة، وتخفيض الأرداف، وإزالة آلام الظهر، والركب، والمفاصل، وتكبير الشفاه، وتوقيف سقوط الشعر في رؤوس الصلع، وعلاجات للإكزيما، والصدفية، والحروق، والبلغم، والسعال، والتقرحات، والسكر، وتضخم البروستات، والبواسير، وباختصار لم يترك الرجل للأطباء ما يكفل لهم إطعام أبنائهم.

في متجر ذلك الخبير وجدت رجالا ونساء من مختلف الأعمار والجنسيات جاءوا يبحثون عن حلول لمعاناتهم؛ واحدة تريد أن تضخم صدرها، وأخرى ترغب في تخفيف حمولة بطنها، وأصلع يحلم أن يعيد الربيع لرأسه المتصحرة، ومن بين كل الزبائن لم أستطع أن أخرج صورة ذلك الرجل الثمانيني من الذاكرة، الذي خرج من المتجر يجر خلفه حمولة بعير من الأعشاب، ولا تفسير لتلك الحمولة سوى أن الرجل ربما رغب في إجراء «سمكرة» شاملة، فقرر أن ينقع نفسه من رأسه إلى قدميه في الكريمات، لإرجاع ما فات.

والحقيقة أن كثرة ادعاءات ذلك الخبير تصعّب عملية تصديقه، فهذه المنظومة من المواهب التي قادته إلى كل هذه الاكتشافات تجعل منه فريد عصره، ووحيد زمانه، فلقد أنجز ما لم تنجزه مصانع الأدوية العالمية الكبرى مجتمعة، فلديه لكل داء دواء، ولكل مشكلة حل، ولكل شكوى علاج، وقد دفعني الفضول إلى الاتصال به لسؤاله عن المراحل التجريبية التي تمر بها مستحضراته قبل تطبيقها على البشر، سألته:

ـ هل قام بتكبير شفاه بعض الفئران أولا قبل تكبير شفاه البشر؟!

ـ هل سبق أن عالج حمارا من الصلع؟!

ـ هل أعاد ثورا هرما إلى ساحة النزال من جديد قبل أن يعيد الشيخ إلى صباه؟!

وأغلق الرجل سماعة الهاتف في وجهي، وظللت أهطل بالكثير من الأسئلة التي تبدأ بـ«هل» قبل أن أكتشف أنني وحيد على سماعة الهاتف أمارس ضربا من الهذيان.

صحيح رزق الهبل على المجانين.

[email protected]