وانفجر زلزال آخر!

TT

كان هذا الزميل أكبر لغز في حياتي المدرسية. ليس مثلنا في مظهره الخارجي. وليس مثلنا في بيته ويستحيل أن نكون مثله.. فأنا عندما أدخل بيتنا الصغير أشم رائحة الأدوية. حتى ملابسنا رائحتها أدوية. كأنني أعمل في صيدلية. وليس في بيتنا هذا الدفء ولا في بيت أحد من أقاربي. ولا هذا الهدوء. كأن أحدا لا يقيم في هذا البيت. والآن أتذكر عندما جاءت خادمة فقدمت لنا الشاي. الشاي في صينية والأكواب لها غطاء حتى لا تحرق أيدينا. ثم هذا الكيك. نهض زميلي وقطعه.. وقدم لي طبقا به قطعة كيك وشوكة، تماما كما يحدث في محلات الحلويات. والشاي قدمته الخادمة في غرفة المكتب. وخرجت في هدوء وقد انحنت إلى الأمام، تماما كما تصف كتب الأدب الفرنسي ما يحدث في قصور النبلاء.. الآن لا أعرف كيف حالتي ولا أعرف كيف ألملم مشاعري. ما هذا الذي أرى والذي لا أسمع.. ومع ذلك ليس الأول، ولا يهمه أن يكون الأول.. بل إنه رسب ثلاث مرات. ويبدو أن أحدا لم يؤاخذه على ذلك، فلا يزال أنيقا ويركب سيارة ويكتب في أشهر مجلة أدبية..

وكأن هذا لا يكفى لإصابتي بالذهول. وفجأة زلزال آخر. أو هو توابع الزلزال الأول. فقد جاءنا صوت هادئ ينادي الزميل الذي انفجر صارخا ضاربا الباب بيديه. إنه يصرخ في وجه أمه؟ ويهددها! ويقول كلاما غريبا. هل قالت شيئا لم أسمعه.. هل قال شيئا لم أسمعه.. هل هي بقية مناقشة تأجلت بسبب ظهوري المفاجئ في البيت؟

وهذه أول مرة أصاب فيها بتقلص في مصراني الغليظ.. وكان المصران مرضي مدى الحياة. فلم أتصور أن أحدا يصرخ في وجه أمه، ويرتفع صوته عليها لأي سبب. ووضعت يدي على بطني وصرخت.. وخرجت عائدا إلى البيت. وفى الطريق أفرغت كل ما في معدتي.. كأنه ضربني بسكين.. كأنه مزقني إلى قطع، هذه تلعنه وهذه تبصق عليه وهذه تلعنني أنا لأن حب الاستطلاع هو الذي استدرجني إلى بيته لأرى هذه التناقضات في شخص واحد.. ومرة واحدة!