حظوظ المعارضة التونسية بين الواقعي والمؤجل

TT

عاشت تونس في الأسابيع الأخيرة على وقع حراك شمل مختلف مكونات المشهد السياسي، وذلك تزامنا مع حدث الانتخابات التشريعية والرئاسية، حيث من المنتظر كما هو معلوم أن ينهي المترشحون الأربعة لمنصب رئيس الجمهورية حملاتهم الانتخابية اليوم ويدلي الناخبون الأحد 25 أكتوبر بأصواتهم عن طريق صناديق الاقتراع.

صحيح أن سير الحملات الانتخابية في معظمه هادئ وأن دور صناديق الاقتراع يتمثل في تأكيد الحدس السياسي الشائع ولكن في نفس الوقت لا نستطيع أن نهضم الحراك السياسي الحاصل حقه في دفع عجلة الديمقراطية إلى الأمام من خلال ضخ مدونة التشريع السياسي بقرارات وقوانين جديدة من شأنها تأهيل الحياة السياسية لتأمين خطوات أكبر في مجال الديمقراطية والمشاركة السياسية.

لذلك يمكن اعتبار الأطروحات التي ترى في انخراط بعض أحزاب المعارضة في الانتخابات الرئاسية مغامرة محكوم عليها مسبقا بالفشل وأنها معارضة من أجل ديكور ديمقراطي صوري، هي أطروحات لا تخلو من إحباط للمعارضة التونسية التي من حقها أن ترسم لنفسها الاستراتيجية التي تناسبها وتتماشى مع واقعها الخاص أولا والواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام الذي تتحرك داخله. دون أن ننسى أن تركيز كل الاهتمام على نتائج المنافسة فيه إجحاف لرصيد من المكاسب السياسية ما فتئ يتراكم نوعا وكما بالنسبة إلى الأحزاب السياسية وإلى المرأة وإلى الشباب.

طبعا من المهم في هذا المضمار أن نشير إلى ما تحظى به المعارضة في أي انتخابات تُجرى في العالم من اهتمام بالغ سواء لطبيعة أدائها أو لوزن حظوظها ومدى وفرتها أو قلتها. ولعل الوضع في تونس لا يختلف عن كل البلدان التي تتم فيها انتخابات تعددية مع التميز بخاصية مهمة وهي أن المعارضة في تونس تخوض غمار الانتخابات التشريعية، وهي ضامنة في كل الحالات ومهما كانت السيناريوهات 25% من مقاعد البرلمان أي أن البرلمان التونسي الذي سيتشكل فور الفراغ من الانتخابات الرئاسية تتمتع فيه أحزاب المعارضة بـ53 مقعدا.

وتفيد مثل هذه الخاصية أن المشاركة السياسية لأحزاب المعارضة التونسية قائمة على آلية المحاصصة، وهي آلية ذات تاريخ ودواع فرضت نفسها على النخبة السياسية الحاكمة وجعلتها طريقتها في التدرج نحو الديمقراطية. ففي أول انتخابات تشريعية بعد التغيير وصعود الرئيس زين العابدين إلى الحكم والتي تمت بتاريخ أبريل 1989، كانت الصدمة السياسية كبيرة ومفزعة عندما أعلنت نتائج تلك الانتخابات عن برلمان تونسي من لون سياسي واحد هو الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي). ومما عمق الصدمة السياسية آنذاك أن الإسلاميين تحصلوا على حوالي 27% من الأصوات، إلا أن نظام الاقتراع ساعتها لم يكن يعتمد نظام النسبية بل نظام القائمات، الشيء الذي جعل باب البرلمان مقفلا أمامهم.

ولكن عدم دخولهم إلى قبة البرلمان التونسي لم يمنع النخبة السياسية من إعمال عقلها السياسي والتحرك بشكل يطور مجلتها الانتخابية ويفسح الطريق أمام أحزاب تقطع بدورها الطريق أمام «الإسلاميين» لذلك فإن نتائج انتخابات أبريل 1989 ذات اللون السياسي الأحادي قد أفرزت نقاشا سياسيا معمقا قوامه معاينة حالة من استقطاب ثنائي في المجتمع بين الحزب الحاكم والإسلاميين مما يعني في مقابل ذلك عدم تمتع المعارضة الديمقراطية بأية حظوظ. ولقد نتج عن تلك «الاكتشافات» السياسية، قناعة مفادها أنه لا مفر من مراجعة المجلة الانتخابية بشكل يتيح للمعارضة دخول مجلس النواب، وفي هذا السياق تدخلت الإرادة السياسية في شخص الرئيس بن علي وكان قرار تمكين المعارضة من 20% من المقاعد. وفي المرحلة الأخيرة أصبحت تتمتع آليا بـ25% من المقاعد.

وفي الحقيقة العارف بتفاصيل الحياة السياسية في تونس يقر بصعوبة أن تحصد المعارضة لوحدها نسبة 25% وذلك لعدة أسباب ذات صلة بطبيعة التشكيل السياسي في تونس إذ إن الحزب الحاكم أي التجمع الدستوري الديمقراطي يتجاوز من جهة عدد المنخرطين المليونيين إضافة إلى تحالفه مع أبرز منافس مفترض له وهو الاتحاد العام التونسي للشغل وهو منظمة نقابية عريقة ويبلغ عدد المنخرطين فيها مئات الآلاف. كما أن التجمع الدستوري الديمقراطي متحالف مع منظمات أخرى نذكر منها منظمة رجال الأعمال واتحاد الفلاحين. وهنا نفهم خلفية الترويج الدائم لأطروحة الفوز المضمون للحزب الحاكم ولرئيسه زين العابدين بن علي. فهي أطروحة تنطلق مع قراءة ميدانية لموازين القوى السياسية ولحجم الورقات السياسية التي في حوزة الحزب الحاكم. ولعل الواقع السياسي هو الذي دفع بثلاثة أحزاب معارضة إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية فقط واختيار ترشيح بن علي بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية.

في حين أن ثلاثة أحزاب أخرى قد قدمت مرشحين لها وهم أحمد إبراهيم وأحمد الاينوبلي ومحمد بوشيحة.

وتجاوزا لأطروحات الإحباط والسلبية المطلقة، فإن خوض الانتخابات الرئاسية بنفس تعددي هو في حد ذاته يعد امتحانا سياسيا للحزب الحاكم من جهة ولأحزاب المعارضة من جهة أخرى التي بلغة الواقع الملموس قد غنمت بحصة تشريعية لا بأس بها مرحليا خصوصا أن المشاركة في مجال السلطة التشريعية متنفس حقيقي للقيام بالأدوار المنتظرة منها والتي تصب في عمق وظيفة المعارضة.

إن حظوظ المعارضة في تونس وإن كانت بعيدة عن طموح كرسي الرئاسة، فإن بنود المجلة الانتخابية وحجم مشاركتها في البرلمان والمجالس البلدية، يفيدان بأن المعارضة التونسية بصدد تنمية الريش اللازم للتحليق أعلى.