الهم الأفغاني الأول

TT

هناك أخبار لا أتابعها لأنها فقدت معنى الحدث. وأحيانا فقدت معنى الخبر. وأحيانا كل معنى. تخيل أنك تريد أن تعرف حقا نتائج الانتخابات الرئاسية في أفغانستان. هذا يعني أنك وقعت في فخ الاستغباء. ثم تصور أنك سوف تتابع نتائج إعادة الاقتراع. هذا يعني، مع الاعتذار، أن الاستغباء مضاعف. يحدث في التاريخ أن تتحول أفظع المآسي إلى أثقل المضحكات. بدل أن يكون الهم في كابل وقف الحرب وإقامة المدارس وإنشاء المستشفيات وتعويد الأفغان على استخدام الإسمنت بدل تسلق الصخور، يصور لنا الأميركيون المسألة على أنها فوز كرزاي أو عبد الله عبد الله.

ويطلب منا الإعلام العالمي أن نبتهج لأن نتائج 208 دوائر انتخابية قد ألغيت. هذا يعني أن الدوائر الباقية صحيحة وأن الشعب الأفغاني فعلا اقترع، وأنه لن ينام إلا إذا طبقت الديمقراطية بحذافيرها، لأن المطلوب نقل وستمنستر إلى كابل. وعلى عجل. رجاء على عجل. المسألة لا تحتمل الانتظار. قام الأميركيون بتسخيف الديمقراطية بأسوأ مما فعل السوفيات. وأساء كلاهما علاقته مع العالم الإسلامي في مكان واحد وبأسلوب واحد هو أفغانستان. وكانت سلطة بابراك كرمال لا تتعدى مكتبه في حين لا تتعدى سلطة كرزاي العاصمة السعيدة التي تقاتل الأجانب منذ قيامها.

لكن أسوأ ما حدث لأفغانستان حتى الآن هو أيضا أسوأ ما حدث للديمقراطية. أي أن يصبح الاقتراع، أو الاختيار، هو القضية بدل أن تكون القضية هي الموت والخراب والفقر وعجز النظام الذي أقامه الأميركيون والحلف الأطلسي عن تحقيق أي خطوة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو حياتية.

لقد أهينت الديمقراطية في أماكن كثيرة، أحدها، لا أسوأها، أفغانستان. أما المكان الأسوأ فسوف يظل «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». فهذه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط تلد فيها النساء الفلسطينيات أطفالهن في السجون. وبأيديها يقوم ألف جدار برلين. وهي الدولة الوحيدة (الديمقراطية) التي لا تزال تزرع المستوطنات أمام أعين العالم. وهي الدولة التي يدير «دبلوماسيتها» أفيغدور ليبرمان.

جميع دول أوروبا الشرقية السابقة كانت تحرص على أن تلحق بنفسها لقب الديمقراطية. بلاد الستازي كان اسمها الرسمي جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وقد ظل على رأسها الزعيم فالتر أولبريخت، فيما تغير في ألمانيا الغربية نحو عشرة مستشارين.