ما أسعدهم: كان شيخهم سقراط!

TT

لا أدعي أنني كنت على وعي تام بالمسائل الدينية. ولا حتى الفلسفة التي كنا ندرسها. وإنما هي قشور. وكثيرا ما ساءلت نفسي. ولكن لا أجد عندي إجابة عن هذه الأسئلة. فأنا لم أتعلم. ولا تزال أسئلتي أكبر. وسوف تبقى كذلك. ويكفى أن أردد مثل هذا السؤال: كم عدد النجوم في السماء؟ كم عدد الرمال في شواطئ دمياط. كم عدد الكلمات التي يقولها الإنسان من مولده حتى مماته؟.. لا جواب عن هذه الأسئلة. أين تقع الجنة أين النار؟.. وغيرها من الأسئلة المعضلة. لذلك يجب أن يكون لنا شيخ..

كنا خمسة من التلامذة. واحد من أصل يوناني وواحد من أصل ألماني وواحد من أصل أرمني ونحن اثنان مصريان. وكنت أحب زميلي الذي أبوه يوناني وأمه أيضا. وكان ظريفا مثقفا. إذا جلس إلينا أضحكنا بلغته العربية المكسرة. ولكنه يرتب أفكاره. ويحسن عرضها ويسألنا في كل لحظة إن كنا قد فهمنا ما يقول.

وقد وجدنا في إحدى المرات نتناقش في الفلسفة اليونانية، فلسفة أجداده. وكان يفهمها جيدا وأحسن من أستاذنا. وكأنه قد عرف ما يدور في أدمغتنا. فقال لنا: سقراط كان الأستاذ الذي يجمع حوله التلامذة يقفون معه في الشارع وعلى النواصي ويناقشهم ويسألهم وهو الذي يجد لهم ومعهم الأجوبة.. لأن سقراط كان يؤمن بأننا نعرف كل شيء. وكل ما يحتاجه هو أن يحركنا أو يبهرنا بعقله وفكره وطريقته في الكلام لنكتشف المعاني معا.. ويقول إنه كالذي يكشف عن تمثال مغطى بالتراب. والتمثال موجود. وهو ونحن معا نسحب الغطاء عن التمثال. وسقراط هو الأستاذ وتلامذته يلتفون حوله. ومن أنبه تلامذة سقراط: أفلاطون وأرسطو. وأفلاطون هو الذي سجل حوارات سقراط. لولا أفلاطون ما كان سقراط.. وكان هذا كلاما جديدا علينا. ونحن لا نعرف إن كان ما قاله أفلاطون هو كلام سقراط أو كلام أفلاطون..

وقال: على كل حال سقراط هو الأستاذ.. هو شيخ هؤلاء الطلبة.. هو صاحب النظرية. أخيرا فهمنا معنى أن يكون هناك شيخ صاحب رأي.. استطاع أن يقنع هؤلاء التلامذة.. وسقراط لم يكن شيخهم فقط وإنما شيخ لكل العصور ومنذ 25 قرنا!

فما أسعدهم به وما أشقانا من غير شيخ!